إعلان

القطاع الخاص في 2020.. "رهان إجباري" لإنعاش الاقتصاد المصري

02:02 م الإثنين 30 ديسمبر 2019

مصنع

كتبت- شيماء حفظي:

يأمل القطاع الخاص في مصر أن يحمل العام الجديد انتعاشة في أعماله بعد سنوات صعبة عانى خلالها من الانكماش والركود والمزاحمة الحكومية وأسعار الفائدة المرتفعة.

وقال مستثمرون ومحللون، لمصراوي، إنهم يتوقعون أن ينتعش أداء القطاع الخاص في مصر خلال 2020، باعتباره رهانًا حتميًا وإجباريًا للحفاظ على معدلات نمو اقتصادي إيجابية، لكنهم ربطوا التحسن المتوقع بعدد من الرهانات يقع معظمها على عاتق الحكومة.

وانطلق المستثمرون في توقعاتهم بتحسن القطاع الخاص، من الإجراءات التي اختتمت بها الحكومة 2019، بطرح عدد من مبادرات تمويل القطاع الصناعي والمصانع المتعثرة والتمويل العقاري والسياحة، وخفض أسعار الفائدة.

وتوقع بنك استثمار هيرميس، في تقريره السنوي، انتعاشة تدريجية لنشاط القطاع الخاص في مصر خلال 2020، مع عودة أسعار الفائدة لمستويات قريبة إلى ما قبل تعويم الجنيه ووصول الإصلاحات الاقتصادية لنهايتها.

وذكر التقرير أن "الاقتصاد المصري على وشك دخول عامه الأول منذ 4 سنوات بدون أي شكل من أشكال التشديد في الاقتصاد الكلي، وهو ما يفتح الباب لبيئة ملائمة للنمو الاقتصادي".

توقعات وآمال المستثمرين، ليست بعيدة عن أفكار الحكومة، حيث أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي، في أكثر من مناسبة، أن الدولة ترحب بالقطاع الخاص وتشجعه، وأن تدخلها المباشر في الاقتصاد خلال السنوات الأخيرة كان ضروريًا حتى تقف الدولة على قدميها.

ودعا الرئيس السيسي القطاع الخاص لمشاركة الحكومة في المشروعات المختلفة، والاستفادة من البنية التحتية التي نفذتها خلال السنوات الأخيرة لدفع أعمالهم والتوسع والاستثمار.

ويناقش "مصراوي" في هذا التقرير الفرص والتحديات أمام القطاع الخاص لقيادة قاطرة النمو الحقيقي خلال العام المقبل، وأبرز الإجراءات التي ينتظرها المستثمرون لدعم توسعاتهم.

رهان إجباري

تقول إيمان نجم، محللة اقتصاد كلي، إن القطاع الخاص هو "الرهان الإجباري" للحكومة في 2020، ليس فقط لمواجهة نقص الموارد، وتحقيق أفضل استغلال منها، كذلك لإفساح المجال "دون مزاحمة" لجذب استثمارات أجنبية وخلق سوق تنافسية.

ويرى كريم هلال، الخبير في مجال الاستثمار ورئيس جمعية الأعمال الآسيوية المصرية، أن الحكومة يجب أن تتوقف عن سياسة المزاحمة في الاستثمار لأنها لا يمكنها القيام بهذا الدور لمدة طويلة، لأن دورها الحقيقي هو "تسوية ملعب" الاستثمار وتوفير البنية التحتية وتسهيل المناخ التشريعي لعمل القطاع الخاص، لتخلق سوقا ينافس فيه المستثمرون.

وقال هلال، إن الحكومة الآن تلعب في "الوقت الضائع" وإنه لا خيار أمامها سوى مساعدة القطاع الخاص، لتحقيق تنمية واستدامة وخلق فرص عمل، خلال الفترة المقبلة.

ويشير محمد البهي، عضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات، إلى أن الاهتمام بالقطاع الخاص، سيصب في النهاية في مصلحة الدولة، لأنها ستدر ضرائب وتخلق فرص عمل تواجه البطالة بالإضافة إلى معادلة ميزان العرض والطلب من السلع بما يسهم في ضبط الأسعار في السوق وبالتالي خدمة المستهلكين.

1

ًانفراجة بعد اختناق

حتمية إعطاء الفرصة للقطاع الخاص في 2020، تأتي في ظل أداء ضعيف منذ التعويم في 2016، فعلى الرغم من كل إجراءات الإصلاح الاقتصادي منذ 2016 لكنه مازال "يصارع" على كل النواحي، بحسب ما قالته نجم.

وتضيف نجم، أن مؤشرات تقييم القطاع الخاص، تشير إلى تراجع كبير خلال 2019، حيث يحصل على الائتمان بزيادة أقل من القطاع الحكومي (8% مقابل 27% للقطاع الحكومي) بالإضافة إلى تراجع مؤشر مديري المشتريات خلال الشهر الماضي لأقل مستوى له في سنتين.

وكان مؤشر مديري المشتريات الذي يصدره بنك الإمارات دبي الوطني، شهريا، رصد في نوفمبر 2019، انكماش القطاع غير النفطي في مصر للشهر الرابع على التوالي، ليهبط لأقل مستوى منذ سبتمبر 2017، وذلك نتيجة تراجع الطلب في السوق المحلي والأجنبي.

وأشارت نجم، إلى تراجع حجم صادرات السلع الصناعية لتسجل نحو 37% من إجمالي الصادرات في 2019 مقابل 40% في 2018، "وهذا يعني أننا نتجه لتصدير الخام أكثر من التصنيع، وهو مؤشر عن وضع القطاع الخاص لدينا".

"نمو قطاع الصناعات التحويلية بلغ 2.8% في 2019 مقابل نمو بنسبة 4.8% في 2018.. القطاع الخاص يعاني وهو ما يستوجب النظر دعمه وبشكل سريع" بحسب ما قالته المحللة.

التراجع والانكماش الذي ضرب القطاع الخاص، يرجع أحد أسبابه إلى تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، الذي غيروا عاداتهم الاستهلاكية، لصالح الأولويات الضرورية، نتيجة الغلاء الذي أصاب كل السلع والخدمات بعد تعويم الجنيه في نوفمبر 2016، الذي أفقده نصف قيمته تقريبا.

وعلى مدار الثلاث سنوات الماضية طبقت الحكومة برنامجا إصلاحيا تقشفيا بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي، تضمن خفض دعم الوقود وفرض ضريبة القيمة المضافة على المبيعات، والسيطرة على زيادات الأجور، وهو ما ساهم في انكماش حركة الطلب في السوق.

ويقول بنك هيرميس في تقريره إن "اقتصاد مصر المحلي قائم على الطلب، لذلك سيستغرق الأمر بعض الوقت لكي يتعافى الاستثمار حتى يرتفع الطلب على السلع الاستهلاكية مرة ثانية".

وأضاف: "كان من الغريب أن يكون الطلب على السلع الاستهلاكية مؤخرًا في أضعف فتراته خلال العقود الأخير".

2

مبادرات الحكومة "تحرك المياه الراكدة"

يتوقع شريف الجبلي، رئيس غرفة الصناعات الكيماوية باتحاد الصناعات، أن تساهم المبادرات التي أطلقتها الحكومة بالتعاون مع البنك المركزي في تحسين أوضاع القطاع الخاص خلال 2020.

وأطلقت الحكومة والبنك المركزي الشهر الجاري، مجموعة مبادرات، لتمويل المصانع بقيمة 100 مليار جنيه بفائدة مخفضة، وأخرى للعملاء المتعثرين، وثالثة لدعم التمويل العقاري، ورابعة للسياحة والفنادق.

وقال الجبلي، لمصراوي، إن نجاح هذه المبادرات مرهون بآليات وسهولة تنفيذها دون تعقيد، ليستفيد منها أصحاب الأعمال، بشكل ينعكس على الأداء العام، خاصة مبادرتي السياحة والقطاع الصناعي.

وأشار الجبلي، إلى أهمية "استمرارية سهولة التنفيذ بمعنى ألا تتحول شروط المبادرة بعد فترة إلى خلق أزمة للمستفيدين منها الآن، كأن تعود البنوك لرفع أسعار الفائدة مرة أخرى".

وقالت المحللة إيمان نجم، إنه بالإضافة إلى مبادرات التمويل، فإن سياسة البنك المركزي، بخفض أسعار الفائدة، تعد داعما أيضًا لنمو القطاع الخاص، في 2020، وتساعد الشركات على التوسع، ما يعطي آفاقا جيدة في 2020.

وكان البنك المركزي خفض الفائدة بمجموع 4.5% على 4 مرات خلال العام الحالي، ليصل إجمالي الخفض خلال العامين الأخيرين إلى 6.5%، لتقترب من مستواها قبل التعويم، حيث وصل سعر الفائدة الآن مستوى 12.25% للإيداع، و13.25% للإقراض.

وتوقع تقرير هيرميس، أن يخفض البنك المركزي سعر الفائدة ما بين 1.5% إلى 2% خلال العام المقبل.

3

في انتظار المزيد

وتشير نجم، إلى أنه على الرغم من مبادرات دعم التمويل وتخفيف أعباء المصانع المتعثرة التي أطلقتها الحكومة للقطاع الخاص، لكن هناك إجراءات أخرى على الحكومة مراعاتها لإنقاذ الصناعة من عثرتها خلال العام المقبل.

"مبادرة المصانع المتعثرة ليست كافية لأن هناك متعثرين فنيا وإداريا أو قضائيا، الدعم المالي ليس كافيا، نحتاج لدراسات حالات التعثر والطريقة المناسبة وذات الجدوى لمساعدتها" بحسب نجم.

وأضافت أن مبادرات التمويل يجب أن تركز بشكل أكبر على القطاع الصناعي أكثر من القطاع الخدمي، لزيادة القيمة المضافة التي تساعد الاقتصاد على المدى الطويل.

ويقول محمد البهي، إنه يجب أن تنظر الحكومة، لسبل دعم كل قطاع على حدة، فهناك قطاعات لن تستفيد من هذه المبادرات لكن لديها مطالب أخرى، تستلزم إجراءات محددة لمساعدتها.

وأضاف أنه يجب أن تتغير استراتيجية تعامل الحكومة مع المستثمرين، التي تتسبب في كثير من الأحيان في استنزاف رأس المال في شراء الأراضي وإقامة المشروع، وهو ما يهدد بخلق مزيد من المتعثرين.

"فيما يتعلق مثلا بأسعار الأراضي – وهي أكبر ثروة تمتلكها مصر – لماذا نغالي في أسعارها.. لابد من توفيرها بأسعار مخفضة مثل كل دول العالم... فالمستثمر لن يحمل الأرض على كتفه ويهرب"، بحسب البهي.

وقال عبد الرحمن الجباس عضو مجلس إدارة غرفة صناعة الجلود باتحاد الصناعات، إن التحديات التي يواجهها القطاع الخاص يكون تأثيرها أكبر على المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والتي لا تستفيد بالمبادرات الحكومية.

ويضيف الجباس، لمصراوي، أنه لا يمكن التعويل على المبادرات الحكومية لدعم القطاع الخاص والذي تستحوذ المشروعات الصغيرة والمتوسطة على 80% منه، "لأن هذه الفئة لا تستفيد بهذه المبادرات على الرغم من كونها محركا للاقتصاد، وهو ما يحتم اتخاذ إجراءات تتعلق بشكل مباشر بهذه القطاعات".

"المشروعات الصغيرة والمتوسطة هي عماد الاقتصاد المصري، وعلى الرغم من ذلك يستفيد من هذه المبادرات رجال الأعمال الكبار لذلك لا يمكن أن تكون محركا أساسيا لنمو القطاع الخاص إلا إذا تم التعامل معها بمنظور مختلف" بحسب الجباس.

الشيطان يكمن في التفاصيل

تعد زيادة تكلفة الإنتاج أحد هواجس رجال الأعمال في 2019، نتيجة قرار التعويم وارتفاع تكلفة استيراد المواد الخام، بالإضافة إلى زيادة تكلفة الطاقة، وهو ما يأمل المستثمرين ألا يستمر في 2020.

يقول الجباس، إن ارتفاع تكاليف الإنتاج خلال العام الماضي، لا يرتبط فقط بالمواد الخام وأسعار الطاقة لكنها تشمل أيضًا زيادة تكلفة الرسوم والتراخيص "إمداد المصنع بالغاز يكلّف رسوما بنحو مليون جنيه، وهذا ينطبق أيضًا على الكهرباء وأسعار الأراضي".

وأشار إلى أن المبادرات الحكومية لدعم القطاع الخاص "لا تأخذ في الاعتبار المشكلات الحقيقية للصناعة وتتعامل فقط مع الخلل في الهيكل التمويلي".

وتقول المحللة إيمان نجم، إن واحدة من الإجراءات المتسببة في زيادة التكاليف والتي ينظر لها باعتبارها "تفاصيل صغيرة" لكنها تؤثر على التكلفة مثل "الكارتة" التي يتحملها المُصنّع لنقل المواد الخام أو المنتج النهائي.

"يجب أن تنظر الحكومة إلى هذه التفاصيل وتستمع لأصحاب الأعمال، والتعرف على المشكلات الحقيقية التي تواجههم، بعيدًا عن الخطوط العريضة التي تكون مفيدة لكنها لا تكفي" بحسب نجم.

خفض أسعار الطاقة "مطلب أساسي"

خفض أسعار الغاز الطبيعي للمصانع يعد مطلبا رئيسيا للقطاع الصناعي، خاصة وأن السعر الحالي عند 5.5 دولار للمليون وحدة حرارية هو أعلى من السعر العالمي للغاز، بحسب ما قالته نجم.

وأضافت نجم: "السعر العالمي للغاز 2 دولار فقط، وعلى الرغم من وفرة الغاز في مصر يبقى 5.5 دولار سعرا مرتفعا، ويجب تخفيضه، لدعم الشركات في أسواق التصدير".

وهو ما أكده محمد البهي، قائلا "سعر الغاز في مصر يصل إلى 3 و4 أضعاف سعرها في الدول المنافسة في الأسواق الخارجية، خاصة في الصناعات المعتمدة على الطاقة كمكون أساسي ما يعني استهلاك كثيف يستدعي خفض السعر وعدم التمييز بين الصناعات لا زيادة السعر".

وطالب عبدالرحمن الجباس، بإعادة النظر في الطريقة التي تدعم بها الحكومة الصناعة خاصة وأن تقديم خدمات كالغاز والكهرباء تدار بمبدأ "الربح" دون اعتبارات نمو القطاع الصناعي والاقتصاد الكلي، وأن تعمل الوزارات كفريق واحد، لدعم القطاع الخاص، في ظل التوجيهات والمبادرات الرئاسية والتي تعد "محفزة لكنها غير كافية".

اقرأ أيضا:

تعافي تدريجي للقطاع الخاص.. توقعات هيرميس للاقتصاد المصري في 2020

مسح: انكماش أنشطة القطاع الخاص غير النفطي بمصر لأقل مستوى من عامين

البنك المركزي يكشف تفاصيل ضوابط مبادرة الـ 100 مليار جنيه لتمويل الصناعة

فيديو قد يعجبك: