إعلان

يوم "ماتش" الأهلى

يوم "ماتش" الأهلى

د. هشام عطية عبد المقصود
08:45 م الجمعة 09 يونيو 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

د. هشام عطية عبد المقصود

لن يكون قد مضى وقت طويل من متابعتي طفلا لمباريات الدوري في نهاية السبعينات، حتى يتكرر السؤال "إنت أهلاوى ولا زملكاوي؟" ويظل يلاحقني. سيتغير شكل السؤال قليلا لدى أصدقاء الأهل وهم يداعبونني مرحبين ومقدمين "باكو شيكولاته كورونا"، وسيكون محملا بالإجابة: "إنت طبعا أكيد أهلاوى".

لن أشأ أن أرد وسأصدر ابتسامة الطفل الحائر بديلا، سأكون وقتها منبهرًا بكل هذا الحماس في التشجيع للأهلي في أسرتي وأقاربي، ومتأملا لسلوك جار في نهاية شارعنا اعتاد بعد كل فوز للأهلي أن يخرج إلى أعلى منزلهم المشرف على فضاء كبير ويطلق مبتهجا رصاصة مدوية، وسيكون الأهلي قد فاز بالدوري.

ستبدأ مرحلة هواية تجريد الأشياء ووضع قوانينها، وهى تصيب الجنسين في مرحلة الشباب، كما يقول إعلان كريم لعلاج حب الشباب كان يذاع فيما بين شوطي كل مباراة في ذلك الزمان، وستتشكل رؤيتي لكرة القدم وتفكيري في ملاعبها لتأخذ شكلا سيرياليا تجريديا يراها مساحة خضراء قرر أحدهم نائما أو مستيقظا أن تكون مستطيلة فكانت، ثم أن يحددها بالمتر والسنتيمتر طولا وعرضا لتكون "قانونية".

وسيكون في كل طرف من هذا المستطيل عارضتان رأسيتان وأخرى أفقية جميعها خشبية، وسيذكرها كثيرا الكابتن "على زيوار" في تعليقه على المباريات قائلا "الكورة خبطت فى الخشبة ودخلت المرمى .. جون". ستتحول بعد ذلك إلى عوارض ألومونيوم أو حديد وسيوظفها عصام الحضري كرسيا يجلس عليه، وهو يتمايل على نغمات "أرقص ياحضري"، وسيكون الأهلي أحرز الدوري أيضا.

سأتابع 22 لاعبا، منهم الشباب والكهول أيضا يرتدون شورتات صغيرة ستستطيل قليلا في الثمانينات، وقرب نهايتها حيث يضيف لها البعض "كمالة" ليغطى بها ركبته، ويكون حينها قد جاء زمان الشورت الرياضي الشرعي، وستكون لعبة كرة القدم قد أصبحت مهنة جديرة بأن يتسامح الآباء مع إهمال الأبناء للدراسة، مفضلين عليها اللحاق بحصص التدريب في النادي.

سيفرح اللاعبون بكل هدف يحرزونه ثم يسجدون، وبعدها ينطلقون نحو المدرب الذي وضع التكتيك من الوضع واقفا أو صارخا من على الخط، وسيظهر بعدها الكابتن محمود الخطيب مديرا أو مدربا فنيا على الطريقة الأوروبية ببدلة ورباط عنق، حين تقاسم مع الكابتن فاروق جعفر فى منتصف التسعينات تدريب المنتخب تحت تأثير فكرة رومانسية أنهما سيصلان بنا إلى كأس العالم بعد غياب طويل، وطبعا انتصرت الواقعية "تلاته صفر"، وسنخرج من تصفيات كأس العالم ويفوز الأهلي بالدوري.

في مسارات الزمن هذه، سيكون كل أقاربي تقريبا بل تأكيدا يشجعون الأهلي الفائز دوما أو غالبا، وسأحترمه فريقا منظما قويا عارفا ما يريد، لكن قبل وأثناء كل ذلك سأصير زملكاويا، إنها مشيئة الله فلتكن، ستهاتفني أمي، رحمها الله، -بعد أن أكون قد غادرت منزل الأسرة وأيضا بعد أن تدرك أنى قد بلغت من العمر نضجا-، فور انتهاء كل مباراة يفوز فيها الأهلي لتسألني: شفت الأهلي؟!، وتضحك.

حين سقطت عدالة السماء على ستاد باليرمو فرحت كثيرا بهدف مجدي عبد الغنى، وقبلها بسنوات كان الحكم محمد حسام قد حرم الزمالك من الدوري بعدم احتساب هدف صحيح في مرمى الأهلي، وقتها سيطفو السؤال الوجودي ويعوم فى بحيرة رأسي، أوجهه للأصدقاء وأطلقه فى الفضاء ونائما وحالما، كيف تستقيم أية منافسة في الكون من دون قواعد تمنع التدخل فى نتائجها ومن دون وجود جمهور يشجع اللعبة الحلوة؟

سيمتد السؤال من خارج الذات فلا يقابل إلا حائطا ليعود مرتدا ككرة صاروخية في رأسي، وستكون وقتها "الخمس تسعات" قد صارت تقليدا تم إرسائه منذ زمن بعيد في الحياة العامة، وسأفضل شخصيا عليه كولونيا "خمس خمسات" متمنيا نمو وازدهار الصناعة الوطنية.

كثيرة هي أشياء العالم التي تغيرت بينما يفوز الأهلي بالدوري، مثلا طلوع الإنسان إلى القمر، واعتزال صوفيا لورين، وظهور الإنترنت، واتحاد الألمانيتين، وانهيار الإتحاد السوفيتى وتفككه، واختراع الكنافة بالمانجو والنوتيللا، وحتى غناء رمضان صبحي "ابن النادى ترا راتا تت تارا"، وهكذا سيمنحك الأهلي وفوزه قراءة أعمق للتاريخ حيث الثبات جسر التحولات الهادئة التي تفضي إلى بعضها وتنتهي أيضا بفوز الأهلي بالدوري.

سيمضى الزمان بنا، وسيكون ابني الأصغر زملكاويا دون جهد منى، بينما ابني الأكبر أهلاويا تأكيدا على عدم وصايتي، وهكذا لن أجلس بعد ذلك مشجعا وحيدا أتابع مباريات الزمالك، وسأسعد حين فقط يفوز بمهارة واستحقاق، لكننى سأظل دائما متمنيا وفى كل مباراة للأهلي أن يفوز فربما أتفاجأ بصوت أمي على الهاتف الأرضي ضاحكا يقول "شفت الأهلي" .

إعلان

إعلان

إعلان