إعلان

"يا حمام بتنوّح ليه" (١): المغني الذي سبق محمد منير

"يا حمام بتنوّح ليه" (١): المغني الذي سبق محمد منير

ياسر الزيات
09:43 م الأربعاء 02 أغسطس 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

ياسر الزيات

كلما بحثت عن اسم محمد حمام في موقع ساوند كلاود، جاءت لي النتائج بأغاني محمد منير، فهل هذه مصادفة؟ وفي كل مرة يحدث ذلك، يعاودني الشعور نفسه بأن وجود منير ظلم محمد حمام حيا وميتا، وهو شعور يبدو غير منطقي، لكن متى كانت المشاعر منطقية؟

عرفت الفنان الكبير الراحل محمد حمام في السنوات الأخيرة من عمره. كان يأتي إلى مقهى ريش، صباح كل جمعة، بجلبابه الأبيض الذي يرتدي عليه "جاكيت" جلديا في الشتاء، جالسا على كرسي متحرك، تدفعه زوجته الفنانة نهير أمين بحب ودأب. وكان حمام يعاني من آثار جلطة، جعلته غير قادر على الحركة، مع صعوبة في الكلام. كان يصل مبكرا، وكنت أصل مبكرا، فنجلس معا على طاولة واحدة، حتى يكتمل جمع الذين يحضرون إفطار ريش، كل جمعة، بدعوة من مالكه الراحل مجدي عبد الملاك. كثيرا ما تأملت وجهه الأسمر الصافي، وهو يجاهد ليحادثني، أو ليسألني سؤالا كان في الأغلب يهدف للاطمئنان على أحوال مصر. في تلك الفترة، كان محمد حمام مرتبطا بجزء كبير من وجداني الوطني، تربيت عليه في طفولتي، وهو أغنيته الأشهر: "يا بيوت السويس". عندما أردت إعادة الاستماع إلى الأغنية نفسها، وأنا أكتب الآن، بحثت عنها على "ساوند كلاود"، فجاءت النتائج أن الأغنية بصوت محمد منير، تسبق الأغنية نفسها بصوت محمد حمام في الترتيب.

ولا أريد المقارنة، هنا، بين أداء المطربين للأغنية، ففي المقارنة ظلم لكليهما، قد لا يستقيم معه التلقي، وقد لا تنتج عنه متعة مرجوة. ورغم ذلك، لا أستطيع أن أخفي انحيازي الشخصي لأداء محمد حمام، الذي يشبه صوته بطانية في ليالي الشتاء. وربما يكمن الفارق في أن الصورة، مهما تكن درجة إتقانها لا يمكن أن تحمل جمال الأصل، كما أن حمام غنى الأغنية، وهي خارجة من الفرن، طازجة، حاملة إحساس لحظتها، والدفعة الشعورية الجماعية التي تلخص إحساس المصريين في ذلك الوقت، دعما لبطولات السويس وأهلها ضد العدوان الإسرائيلي. في المقابل، جاء أداء منير باهتا، محايدا تقريبا، لا يحمل الدفء نفسه الذي تجده، ليس في صوت حمام وحده، ولكن في كلمات الأبنودي ولحن إبراهيم رجب. وربما لذلك قلت إن المقارنة بين الإثنين ظالمة لكليهما، وإنني لن أغوص فيها، علاوة على كوني مجرد متذوق غير متخصص في الموسيقى والغناء.

وهو يتحدث لي، هامسا بصوته المتعب، كنت أستعيد صوته الذي يجمع بين الخشونة والدفء، بين الصلابة والحنان، في أغانيه. وكثيرا ما سرحت بفكري، وأنا جالس إليه، متأملا كل هذا الرضا الذي يملأ وجه شخص لم تعطه الحياة ما يستحق من مال وشهرة، ولم يعطه وطنه ما يستحق من تكريم. والحق أنني لم أكن أعرف الكثير عن مسيرة محمد حمام الفنية، وكانت أغنية واحدة أعرفها منذ طفولتي كافية لوضعه في تلك المكانة كمطرب وطني مميز، ومناضل يساري زاهد كبير. وأنا مدين للدكتور عصمت النمر، الطبيب والمؤرخ الموسيقي المهم، في معرفة أعمق بأغان أخرى، وربما أكثر جمالا، للفنان الكبير محمد حمام. ومن خلال القنوات المختلفة للدكتور النمر على "ساوند كلاود"، بدأت أدرك أن حمام تعرض لظلم كبير عندما لخصنا كل تاريخه الغنائي في أغنية واحدة، ولم نغص أكثر عمقا في باقي أغانيه، التي تمثل لي الآن كنوزا جديرة بالاكتشاف، لأنه سبق بها عصره، وأسس لميلاد مطرب آخر، منحه هذا التراث طريقا ممهدا لتأسيس مسيرته وشهرته، هو محمد منير.

إعلان

إعلان

إعلان