إعلان

فساد «مقرمش» بطعم البطاطس !!

فساد «مقرمش» بطعم البطاطس !!

عصام بدوى
09:00 م الأحد 17 سبتمبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

“مين فينا ما بيحبش البطاطس، سواء صينية في الفرن أو مقلية أو شرايح مقرمشة”.. أعتقد أغلبنا يعشقها، سواءً كانوا أطفالًا أو كبارًا، فهي وحدها وجبة مفيدة ومشبعة.. ورغم عشقنا لها، لم يسألْ أحد: هل تلك البطاطس الغنية بالعناصر الكربوهيدراتية والبروتين والبوتاسيوم والفوسفور والحديد و”فيتامين ج”، مستوردة أم نقوم بزراعتها في مصر؟

ورغم عدم خلو أي مائدة مصرية من أي شكل من أشكال البطاطس المتعددة، والتي يزداد الاهتمام بها مع اقتراب بدء العام الدراسي الجديد بسبب سندوتشات أطفالنا، إلا أن تلك الأسباب لم تكن كل دوافعي للكتابة عن البطاطس، إلا إنني أحمل دافعين: الأول: يكمن في اطلاعكم على حدوتة البطاطس في مصر بكل أسرارها، التي لا يعرفُها الكثير منا، رغم عِشق الكثيرين لها، أما الدَّافع الثاني: فيكمن في كشف فضيحة فساد، اختارني القدر أن أحصل على مستنداتها، لأعرضها عليكم.. فضيحة إهدار مال عام لجهاز ينتمي للإدارة المركزية للتعاون الزراعي، ويخضع لإشراف وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي.

تعالوا معي نبدأ بالدافع الثاني، منذ أيام وصل إلى يدي نسخة من مذكرة حكومية، صادرة عن وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي مُرفقة بتقرير، يفضح ويكشف تفاصيل قضية إهدار مال عام، تقدر بنحو 6 ملايين جنيه، وراؤها مجلس إدارة الجمعية التعاونية العامة لمنتجي البطاطس، والذي يخضع بالتبعية للاتحاد التعاوني الزراعي، والخاضع بدوره لإشراف وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي.

التقرير كشف، قيام أعضاء الجمعية، والتي تعتبر أموالها في حكم المال العام، والعاملون بها موظفون عموميون، بإهدار أموال الدولة، بعد قيامهم ببيع 440 طن تقاوي بطاطس هولندي بسعر 5500 جنيه بدلًا من 12700 جنيه لأقاربهم ومعارفهم، مما تسبب في ضياع فروق الأسعار على الدولة، وذلك خلال موسم 2016/2017.

ليس هذا فقط، بل كشف التقرير أيضًا، والذي تم تقديمه في مذكرة للمحامي العام لنيابات جنوب القاهرة، تحت رقم 12349 وبتاريخ 6/9، أنه تم رصد مخالفات مالية وتلاعب في التقاوي المستوردة، بأكثر من 3.6 مليون جنيه أخرى خلال الخمس سنوات التي سبقت تلك الواقعة التي نتحدث عنها.. وقائع وحسب التقرير تسببتْ في خسائر متتالية للجمعية.

تعالوا بقى نتكلم عن الدافع الثاني، وهو حدوتة البطاطس في مصر، فنحن نعتبر من أكبر مستوردي تقاوي البطاطس في العالم، مثل القمح أيضا، وللأسف أصبحنا نتصدر دول العالم في الاستيراد وليس التصدير، كما كنا في الماضي فيما يخص المحاصيل الزراعية، حيث نستورد سنويًا وحسب الإحصائيات الحديثة ما يتراوح ما بين 130 إلى 160 ألف طن سنويا، يأتي أغلبها من فرنسا وأسكتلندا وإنجلترا وهولندا والدنمارك، وذلك لزراعة 200 ألف فدان بطاقة إنتاجية تقدر بمليوني طن بطاطس سنويًا.

يعني لو حسبنا متوسط سعر الطن على 10 آلاف جنيه، خاصة بعد تعويم الجنيه، فنحن نتحدث هنا عن استيرادٍ تبلغ قيمتُه السنوية نحو مليار و600 مليون جنيه سنويًا، وهذا بالطبع يفتح شهية مافيا الاستيراد للدفاع عن تلك المنظومة، خاصة لو علمنا أن هناك 4 شركات أو أشخاص فقط هم من يحتكرون أغلب العمليات الاستيرادية، ورغم تأكيدات تقارير الحكومة الدائمة بوجود 40 شركة مستوردة لتقاوي البطاطس في مصر.

الأغرب من ذلك، أن المحتكرين لاستيراد تقاوي البطاطس في مصر، هم أيضًا من يحتكرون تصديرها إلى الخارج وخاصة دول الاتحاد الأوروبي، وتسويقها لمصانع إنتاج شرائح البطاطس المقرمشة داخل مصر، وتُصدِّر مصر سنويًا ما يقرب من 600 ألف طن بطاطس، حصة الاتحاد الأوروبي منها تقدر بأكثر من 80%.

ومنذ عدة شهور، تقدم أحد نواب البرلمان بطلب إحاطة، اتهم فيه 4 تجار وصفهم بأنهم «معروفين» بالتحكم في سوق البطاطس استيرادًا وتصديرًا، حيث وصل طن التقاوي في بعض الأماكن لـ 35 ألف جنيه، متزامنًا مع عدم وجود رقابة من وزارة الزراعة على أصناف التقاوي المستوردة من التجار.

واتهم النائب، الحكومة باستيراد أنواع رديئة الأصناف لبيعها للفلاح، مما أثَّر على إنتاجية المحصول، حيث كان الصنف الإنجليزي «برن» يعطي 16 طنًا للفدان، بينما إنتاجيته لـ 5 أطنان فقط.

العام الماضي، حدثت كارثة في المنوفية والقليوبية، بعد شراء الفلاحين لنوعية تقاوي هولندية من جمعية طلحة الزراعية “جمعية حكومية”، والتي كانت قد تعاقدت مع شركة مصرية لاستيراد التقاوي، إلا أنها كانت معيوبة، ليتفاجأ الفلاحون خلال عملية مَسح الأرض بعد زراعتها بإصابة المحصول بالعفَن والعَطن بعد ٣ أيام فقط، مما هدد أراضيهم بالتجريف وعدم زراعتها لمدة ٥ سنوات، خلاف خسائرهم.

تلك الحادثة، تؤكد غياب دور وزارة الزراعة في ضبط هذه السوق المهمّة، خاصة وأن الدولة ممثلة في اتحاد مصدري الحاصلات البستانية، وهو جهة حكومية، تستورد 10% فقط من تقاوي البطاطس، وهو ما يمنح في النهاية 4 تجار التحكم في 90% من التقاوي وتصدير المحصول والأسعار، وبحسب ما يخدم مصالحهم الشخصية.

وأخيرا.. نأمل أن يلقى الفاسد عقابًا رادعًا، وأن تقوم الحكومة بضبط سوق البطاطس، ووضع آلية لفك منظومة الاحتكار، قبل أن يأتي يوم لا نستطيع فيه القضاء على الفساد، ونضطر في النهاية إلى تنظيمه أو تقنينه.

إعلان

إعلان

إعلان