إعلان

غنَّى الشيخ لـ "أم كلثوم" فعاقبته "الأوقاف" بقسوة

غنَّى الشيخ لـ "أم كلثوم" فعاقبته "الأوقاف" بقسوة

د. عمار علي حسن
09:01 م الأربعاء 27 سبتمبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

يُمكن القول، من دون مواربة، أن قيام وزارة الأوقاف بمنع الواعظ والمبتهل إيهاب عبده يونس من الخطابة والإمامة وإلقاء الدروس الدينية لقيامه بغناء أغنية للسيدة أم كلثوم في حلقة من برنامج تلفزيوني يُعدُّ تصرفًا قاسيًا.

إن يونس أنشد قطعًا دينية رائعة في هذه الحلقة أيضًا، ولا يضيره أنه غنى لسيدة أسهمت في تربية وجدان أجيال عربية على الحب العذري، وهو ميل نفسي لا يُمكن لإنسان طبيعي أن يتفاداه طيلة حياته، وغنَّتْ أيضًا قصائد دينية رائعة، حين نسمعها تجعلنا نعيش في صفاء روحي.

ومن يتابع تاريخ الغناء الراقي في مصر سيعرف على الفور أن الذين نهضوا بالأغنية والموسيقى المصرية في بداية القرن العشرين كانوا من المشايخ، وكثيرون منهم كانوا من حفظة "القرآن الكريم" بل إن القرآن نفسه له موسيقاه، التي تجعل قراءته مختلفة عن قراءة أي كتاب. فلو كُنَّا نقرأ القرآن كما نطالع الكتب العادية لما تذوقناه على النحو الذي يهز وجداننا، ويجعل القلب حاضرًا إلى جانب العقل في الإلمام بمعانيه ومراميه.

كما أن حضرات الذكر الصوفية يُصاحبها إنشاد وغناء، وكثيرون من المنخرطين فيها يقع لهم الخشوع لله، حين يجدون قلوبهم تهتز من فرط المحبة الإلهية. وهذه الحضرات لا يقتصر منشدوها على حناجرهم، إنما يُصاحبها عزفٌ بديعٌ، له وقعٌ شديدٌ في النفس. ولعل ما نسمعه من "ياسين التهامي" و"أحمد التوني" ما يكفي للبرهنة على هذا.

وينسى من يُعاقبون الشيخ إيهاب يونس أن الفقهاء الأوائل، الذين يعتزون بهم، كانت لهم مع الموسيقى صولات وجولات. فبعضهم اخترع آلاتٍ لها، وكان من يطلق عليه مشايخ عصرنا بـ"حجة الإسلام" وهو أبو حامد الغزالي يردد:

"من لم يهزه الربيع وأزهاره، والعود وأوتاره، فهو حمار، أعلفوه تبنا".

ولا أدري الحكمة من أن يكون الذي يرتدي الزي الأزهري إنسانًا متجهمًا، ينفر من الغناء، كما ينفر السليم من الأجرب، وليس بوسعه أن يتذوَّق أغنية ويُرددها، سواء مع نفسه، أو في برنامج تلفزيوني يجعل الملايين تراه على هيئته تلك، وتنصت إلى جميل صوته، لاسيّما أن الشيخ إيهاب، وفي الحلقة نفسها، ابتهل بصوتٍ شجيٍّ نديٍّ، فهز قلوبَنا.

ومن غنَّى لها الشيخ إيهاب كانت في مطلع حياتها تُنشد قصائد دينية، وتحفظ من محصولها الكثير. وحين انتقلت إلى الأغاني العاطفية لم تنسَ الأغنية الدينية سواء كانت قصيدة مثل رائعة محمد إقبال "حديث الروح" أو كلمات بالعامية مثل "القلب يعشق كل جميل"، بل ظلت حتى في أغانيها العاطفيّة تُحافظ على احترام ما تقدمه، ويمس مشاعر الناس، ويُعبر عما يريدونه بوضوح وسلاسة غامرة.

لا بُدَّ لوزارة الأوقاف أن تتراجع عن قرارها، فالشيخ إيهاب يونس لم يَقدُم على فعلٍ فاضحٍ كي يُعامل بهذه الطريقة المجحفة، ويمكن لمن يتصدى للتحقيق معه أن يُطالع ما كتبه المتعاطفون معه على شبكات التواصل الاجتماعي، ليدرك أن الرجل لم يُصِبْ الزيَّ الأزهريَّ بسوءٍ، بل جعله محببًا أكثر للناس، في وجه جماعات متطرفة ترفض الغناء، حتى لو كان من شعر شوقي، وشدو كوكب الشرق.

إعلان

إعلان

إعلان