إعلان

أطفال "الروبوت"  وتعويضات الخذلان

أطفال "الروبوت" وتعويضات الخذلان

د. هشام عطية عبد المقصود
09:00 م الجمعة 02 فبراير 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

ستعرفهم في إطلالتهم على الشاشات من أثر الصمت الجم معلقة عيونهم في انتظار توجيه أي من الأبوين، وتعرفهم من الإرهاق الذي تحمله العيون ومن تلك الضحكة الاستهلاكية المدربة التي تتناثر على وجوههم ككهل ترهقه أعباء المعايش، إنهم أولئك الأطفال الذين أثقلت سنواتهم أحلام الآباء والأمهات المهدرة والشائخة، والتي صارت تماما كبضاعة أتلفها هوى السنوات، إذ تمر دون تحقق. فآثروا الانتقام أو تريثوا ثم كمنوا بحثا عن صدفة فحانت عبر سيرة حياة ناشئة لأطفالهم، ولو كلف ذلك – الأطفال – غياب معنى السنوات التي لا تحمل مسئولية ما غير دروب التعلم الطليق المرح، وغير تجربة الصواب والخطأ الذي يفضى إلى تجربة خاصة نامية ثم الكثير من تفاصيل تغييب نمو الحياة هانئة هادئة في سنواتها المبكرة وغير ذلك الكثير.

لن يكون حدث الطفل أو الطفلة الذي يعلن عن عبقريته عبر حل المسائل الحسابية بسرعة وأمام الكاميرا فيتلعثم إلا عرضا، أو ذلك الذي يخفق في تخطى تصفيات الغناء والتمثيل أمام لجنة تحكيم تشبه الوصايات على مواهب غضة، جميعهم بعض من طابور طويل لأطفال صغار متعبين يحملون أحلام الآباء والأمهات ويسيرون كأنهم "سيزيف" في أسطورة صخرة الألم، أو تماما كحاملي أثواب الحرير والتي لا يرتدونها فرحا وتيها في قصة تاريخ طريق تجارة الحرير الذي حملت صفحات المؤرخين حكاياته المسترخية، بينما نسيت تماما عنت العرق والجهد التي سالت على مدقاته لكثيرين حملوا وحموا الأثواب التي لم تتحسسها أجسادهم يوما.

يمضى كثير من الآباء والأمهات في البحث عن طريقهم القديم والذي يستدعونه بقسوة بالغة في أبنائهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، حيث يمضى الطفل في طريق تم تحديده ومراقبته، يحمل وسما ورسما من تحققات مهدرة حياتيا للأب أو للأم، نتج عنها بلا وعي ومحاولة تحميل الأطفال بأدوار بطولية وتحقيق منجزات مبكرة ربما لا تعنيهم كثيرا وقد لا تسعدهم أيضا.

سترى أثرا من كل ذلك أيضا في إنهاك أطفال وفتيات في مراحل الطفولة وما بعدها في الانشغال بتفوق دراسي يتجاوز طاقتهم الطبيعية وطبيعة المناهج التي يدرسونها، حتى لتكاد تكون حياة الطفل كلها تعليما خالية من أبعاد حياتية مضافة وضرورية، لينتج عنها طفل آلي مبرمج، وسترى بعض تجلياتها أيضا في سباق محموم نحو دفع أطفال في لعبات رياضية ومطاردة مدربيها ومسئوليها.

هكذا سيمتلأ الفضاء التلفازي والإنترنتي يوما بعد يوم بعلماء ومخترعين "صغار"، وأساطير رياضية مبكرة، وأصوات غنائية قوية ناشئة، جميعهم يمنحهم الوعي الجمعي الشعبي والعام الاحتفائي لقب "العباقرة "، ثم يصفقون محتفين مندهشين حين ظهورهم في البرامج والصحف والمواقع دوما بصحبة رعاتهم "الآباء والأمهات".

تبدأ الملهاة المأساة مبكرة تماما حين يقرر أحد الوالدين أو كلاهما أن يصنعا تاريخا ما مبكرا لهذا الطفل أو الطفلة، فتبدأ تفاصيل اقتطاع الزمن مبكرا من أعمارهم وألعاب طفولتهم، وستجدهم دوما في صحبة أب وأم أو أحدهما يسيرون، يقبضون على أيديهم ويجرونهم عبر الطرقات المختلفة التي تفضي إلى ضوء الكاميرات، أو تفضي إلى بعض سطور قلائل في إحدى الصحف مصحوبة بصورة وجه أحد الوالدين مبتهجا.

علينا أن نضخ الكثير من التفهم والدعم الذي يعمل مجتمعيا على إيقاف استنزاف أمل وطاقة وجهد هؤلاء الأطفال، ومنع العبث بهم إنسانيا وبرامجيا وتسويقيا وإعلانيا، ومنحهم حق الحياة طفولة من خلال بناء ميثاق شرف لظهور وتوظيف الأطفال في كل تلك المهرجانات التي تعتدي على طفولتهم ولو أظهرت نوايا طيبة أو حاولت أو أعلنت ذلك.

هامش:

يقول أبو عثمان عمرو بن بحر "الجاحظ" (780 - 869 م ) في كتاب رسائله الذي أصدرته لجنة التأليف والترجمة والنشر عام 1943: الصدق صدقان، أعظمهما صدقك فيما يضرك، والحلم حلمان، أشرفهما حلمك عمن هو دونك، والوفاء وفاءان، أسناهما وفاؤك لمن لا ترجوه.

إعلان

إعلان

إعلان