إعلان

عُذر الغُلب القاتل

عُذر الغُلب القاتل

أمينة خيري
09:00 م الإثنين 25 يونيو 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تواترت مشاهد عدة في ساعات قليلة اندرج جميعها تحت بند الغُلب القاتل. المشهد الأول تروسيكل مقلوب أعلى الطريق الدائرة الموصل إلى طريق الإسماعيلية. محتوى التروسيكل من فواكه وخضروات مبعثر بعرض الطريق. أما المحتوى الآدمي من رجال ونساء وأطفال ففي حالة صدمة وإصابات- ولله الحمد- تبدو خفيفة.

وعلى مرمى حجر، سيارة نقل مقلوبة ما يشرح ما جرى في وضح النهار.

الناس تجمعوا حول ركاب التروسيكل الذي لا يحمل لوحة أرقام. منظرهم بالفعل كان يصعب على الكافر. والعبارة الأكثر ترديدًا كانت "دول غلابة" "يعني فقر وخراب ديار"؟! بل إن البعض بدأ يبحث في جيبه عن حفنة من الجنيهات لتعويض الغلابة.

سرعة فائقة، جنون خارق، وسماح للغلابة بضرب عرض الحائط بالقوانين فيما يبدو أنه منهج البعض لتوسيع صمام الأمان للفقراء والمساكين لتأجيل الانفجار.

المشهد التالي أمين شرطة ممسك بقميص سائق توك توك مصنف بحسب منظمة "يونيسيف" باعتباره "طفلاً". هو طفل رغم آثار "البشلة" على وجهه، والسيجارة الممسك بها بين أصابعه بغض النظر عن المواجهة الحامية مع أمين الشرطة.

العجيب والغريب والمريب أن الناس نفسها التي تسب، وتلعن عشوائية التوك توك وقبحه على مدار ساعات الليل والنهار، هي التي أمسكت بتلابيب أمين الشرطة مستجدية إياه "سيبه والنبي ده غلبان". الصبي غلبان بحسب تصنيف البنك الدولي، لكنه أبعد ما يكون عن الغلب فيما يختص بالقانون والنظام (رحمهما الله).

وفي سياق ثالث، عربة مترو السيدات في مترو الأنفاق وعشرات وربما مئات الوجوه المكررة يوميًا في الخطين الأول والثاني. متسولون وبائعون وأشباه متحرشين مختبئون خلف ملامح الفقر. يتسول بيد ويتحرش باليد الأخرى. تمسك برقبته إحداهن، فتتجمع النساء والفتيات على قلب امرأة واحدة "حرام عليكي ده غلبان". وبعدها بدقائق مشهد مشابه، لكن هذه المرة المتسول ملتحٍ وفي الوقت نفسه متحرش. فما كان من النساء إلا أن وقفن على قلب امرأة واحدة "حرام عليكي ده راجل بتاع ربنا".

ربنا الذي أمرنا بأن نساعد الفقير ونرعى المسكين ونكفل المحتاج لم يأمرنا بأن نعيث في الأرض فسادًا تحت مسمى "حرام أصله غلبان". الغُلب الذي يدفعنا إلى النظر إلى العشوائية والفوضى العارمة باعتبارهما مشهدًا، ظاهره جمال، ومحتواه رحمة، لأن الناس غلابة، هو غلب قاتل. والغُلب الذي يجعل من الطرق السريعة نهبًا للتروسيكل والتوك توك والـ"ثمناية" غير المرخصة والسيارات النقل المجنونة وغيرها لأنهم غلابة، ويركضون من أجل لقمة العيش هو غلب مجرم.

والغلب الذي يحول كل ناصية إلى مرتع لبلطجية- نعم بلطجية- يسمون أنفسهم "سايس" لأن كلا منهم إما أب لسبعة أطفال بجانب أمهم وحماته... إلخ، أو لأنه كان صاحب عمل ثم فقد أمواله في البورصة، أو لأنه "مأنتخ" ويكره العمل الحقيقي فقرر أن يستثمر غياب القانون وفوضى الشارع، ويفرض إتاوة إجبارية على كل من تسول له نفسه أن يوقف سيارته- هو غلب قبيح مقيت.

وأشكال الغلب وأنواع الغلابة باتوا كثرا. والكارثة أن هؤلاء طغوا على أولئك. بمعنى آخر الغلابة المدعون أو الذين قرروا أن يستغلوا غلبهم للدق على أوتار المحيطين وابتزازهم عاطفيًا ظلموا الغلابة الحقيقيين. وهم في إطار ظلمهم هذا لم يكتفوا بذلك، بل حول بعضهم المحروسة إلى مرتع للقبح وساحة للفوضى وحقل خصب يفعل فيه كل من يشاء ما يشاء دون محاسب.

والحساب لا يعني بأي حال من الأحوال أن نظلم الغلابة أو نكرههم أو نزدريهم. صاحب الكشك الغلبان لا يحق له سرقة التيار الكهربائي من أعمدة الشارع. سائق التوك توك لا يحق له العمل دون ضابط أو رابط. صاحب التروسيكل لا يحق له أن يتهادى على الطريق السريع ببضاعته وركابه. وهلمّ جرا.

غاية القول: مبرر الغُلب للقبح والفوضى والتسيب والعشوائية- جرائم متكاملة.

إعلان