إعلان

ذبح المذبوح

ذبح المذبوح

أمينة خيري
09:00 م الإثنين 04 يونيو 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

شرشحة بالغة، وسوقية غامرة، ومخاصمة كاملة لأدنى معايير التهذيب قالت منى المذبوح ما قالته. تحرش، نصب، احتيال، سوء معاملة إلى آخر ما ورد في الفيديو الشهير. وكانت النتيجة أنها ذبحتنا مرتين: الأولى حين أصيب كل من شاهد الفيديو بقرف شديد وغثيان رهيب نتيجة لكم الشتائم القبيحة التي استخدمتها بكل سلاسة ويسر، والثانية حين دفعتنا دفعًا إلى الدفاع عما يعلم كل منا أنه بات حقيقة مزرية.

الحقيقة المزرية تشير إلى أن لدينا مشكلة كبرى في الشارع. والمعضلة الأكثر قبحًا هي أن هذه الـ"منى" جعلتنا بدافع الغيرة الوطنية نتناسى الواقع المؤلم درءًا لما هو أكثر إلحاحًا ولو من باب المثل الشعبي القائل "أضرب ابني بالسكين وأكره اللي يقول آمين"!

لكن المذبوح لم تقل "آمين" فقط، بل بادرت بالعدوان الشديد والسفالة المفرطة لدرجة أن كل ذي عينين ممن هو على يقين بما وصل إليه حال الشارع من تدنٍ أخلاقي وسلوكي تناسى الواقع رفضًا لما فعلته المذبوح من إهانة غير مقبولة.

لكن من غير المقبول أيضًا أن نستمر في دفن الرؤوس في الرمال، لا سيما بعد ما اتضح أن النعام نفسه لا يفعل ذلك. فالتسيب والبلطجة وعمليات النصب والاحتيال التي تجري على مدار الساعة سواء من باب "السايس" المحتل للشارع تحت نظر الشرطة أو من باب جيوش المتسولين الذين وصلوا إلى درجة شد المارة من ملابسهم ولا مانع من توجيه شتائم لهم في حال الامتناع عن السداد أمور لا ينكرها أحد. ولا يفوتنا الجو العام المعادي للنساء والفتيات سواء من باب التحرش الجنسي الصارخ أو من بوابة رفض وجود الأنثى في الفضاء العام لا سيما إن كانت لا تتبع مقاييس الأيزو التي يفرضها الهسهس الديني.

حتى "أوبر" و"كريم" اللتان تنفست الطبقة المتوسطة الصعداء بدخولهما السوق المصرية، وذلك هربًا من بلطجة التاكسي الأبيض وامتناع الكثيرين عن تشغيل العداد والإمارة في شأن الأماكن التي يفضلون الذهاب إليها وتلك التي يمتنعون عنها، خضعتا لعملية "تمصير" شديدة الوطأة. فمن حركات "نصف كم" يقوم فيها السائق بإلغاء الرحلة لأن الوجهة لا تعجبه، لسيارات لم تعد في حالة جيدة، لتبرم لأن رحلة العميل ستؤخر السائق عن موعد الإفطار مع أسرته، تم تمصير الخدمة إلى حد كبير.

أكبر ما يمكن أن نستفيد منه من واقعة المذبوح القبيحة هي أن نواجه أنفسنا. لدينا مشكلة كبرى في الشارع؟ نعم! نواجه تدنيًا غير مسبوق في الأخلاق والسلوك؟ نعم! حالة التسيب والفوضى تسير من سيئ إلى أسوأ؟ نعم! مطلوب تدخل جراحي عن طريق تطبيق صارم وحازم وعادل للقانون؟ نعم! مطلوب محاسبة ومعاقبة من ترك الأمور تضرب تقلب لهذه الدرجة؟ نعم! مقبول أن يتجرأ أحدهم ويسب المصريين والمصريات ضمن انتقاده للأوضاع؟ لا وألف لا! في إطار رفضنا لقلة الأدب نتغاضى عن الواقع ونؤكد أن كله تمام وأن جانبًا مما ذكرته صحيح؟ لا!

الخبر الأكثر قراءة على العديد من المواقع الخبرية الدولية مثل "بي بي سي" و"آر تي" وغيرهما هو "إحالة اللبنانية منى المذبوح للمحاكمة العاجلة بتهمة إهانة الشعب المصري". بمعنى آخر تفوقت منى المذبوح بسبها وقذفها ونعوتها الشائنة على أخبار احتجاجات الأردن على رفع الأسعار، وإقالة جنرالات في كوريا الشمالية قبل القمة المرتقبة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وغياب ميلانيا ترامب عن قمة مجموعة السبع، وغيرها من الأخبار الدولية الكبرى!

وأما التعليقات، فقد جاء بعضها يصب الغضب على المذبوح، لكن البعض الآخر انزلق في مجال المعايرات لما وصل إليه الحال في الشارع المصري، لا سيما فيما يتعلق بالتحرش والبلطجة.

المذبوح أخطأت خطأ فرديًا عكس انحطاطًا أخلاقيًا. ونحن تهاونا في حق أنفسنا وبلدنا حين تركنا الأمور تصل لما وصلت إليه. الأول لا يوجب الثاني، والثاني لا يبرر الأول.

إعلان

إعلان

إعلان