إعلان

متحرش لطيف وحرامي ظريف

متحرش لطيف وحرامي ظريف

عادل نعمان
09:00 م الإثنين 03 سبتمبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

"بمناسبة متحرش التجمع ثقيل الظل"

لو قبلنا متحرشا على ابتسامته وظرفه وخفة دمه، ولطف معشره، وثغره البسام، لقبلنا على الوجه الآخر الحرامي والنصاب خفيف الظل لطيف الكلمة لخفة ظلهما وروحهما وبشاشتهما ولطيف كلامهما واتساع ضحكتهما. وكان على الحرامي إلى جانب إتقانه خفة اليد في النشل والحركة، وسرعة استخدام السيف والسنجة، ومهارة تثبيت الضحية، وعلى النصاب أيضا إلى جانب براعته في التخفي خلف أناقته ووسامته ونظارته الشمسية، ليجيد فنون النصب والاحتيال وسرقة أموال الناس وخداعهم، عليهما أن يتعلما خفة الدم والروح، وعذوبة الكلمات ورقتها وأناقتها، ويتقنا فنون الابتسامات والتنكيت، ويتجملا ويتزينا ويتطيبا بأرقى أنواع العطور، ليكونا أكثر إقناعا، وينجحا في الزوغان من الضحية، وينالا رضا الناس وتعاطفهم، ويفلتا من يد القانون.

وعلى كل فتاة في الشارع وقعت من نصيب متحرش، أن تسأل المتحرش عن مؤهلات ظرفه وخفة دمه لقبوله أو رفضه، أو تتعلم فنون الكشف عن خفة الدم ولطف المتحرش، وعلى صاحب البيت أن يختبر الحرامي عن خفة روحه وبشاشته حتى يجتاز الاختبار ويطلق سراحه وحريته، وعلى ضحايا النصب أن يطلبوا من النصاب شهادة غتاتة ورذالة وسماجة، حتى لا ينال عطف الناس ويضيع حقه إذا ما ظهر خداعه، وكان خفيف الظل، رقيق المشاعر هادئ الطبع كصاحبنا المتحرش. فإذا قبلت متحرشا لطيفا وأجزت هذا على بنات الناس، فلا مانع أن نجيز سرقة الحرامي لبيتك أو لسيارتك لظرفه وخفة دمه. هؤلاء قوم نتعجب من حكمهم ورأيهم، هم أنفسهم الذين يسألون في واقعة التحرش، عن المكان والزمان، وديانة الضحية، ومن كان برفقتها وصحبتها، وزينتها ومكياجها، وملبسها ولونه أحمر مسخسخ أم بمبة ماسخ، مفتوح أم مغلق، واسع أو ضيق، محجبة أو سافرة، وطول وعرض ونوع السيارة التي تقتنيها وعنوانها، فإذا كانت واقعة التحرش في الساحل الشمالي نهارا أو في السينما ليلا، وغير مسلمة، وكاشفة وسافرة، كان هذا من نصيب المتحرش، ومبررا ومنجاة له من ألسنة الناس ومن الحكم، ألم يكن هذا رأى المشايخ وعلماء الدين عن المسكينة، أنها بسفورها وزينتها قد فقدت رخصة العفة وأصبحت مباحة للرجال؟ واللي يشوف سافرة ولا يتحرش بها ما يبقاش راجل!

هذا كلام بعض من رجال دين فسمع الناس وأطاعوا، وساروا خلفهم والتزموا، ونفذوا أمرهم ليكونوا رجالا. يا سادة التحرش هو خرق خصوصية طرف آخر، واختراق حدودها وتجاوزها سواء كان صاحبها عريانا أو مستورا، ليلا أو نهارا، في الساحل الشمالي أو على أعتاب مسجد أو كنيسة، راقصة أو باكية، تقف بمفردها وحيدة في الشارع، أو بصحبة بلطجية لحمايتها، ترتدى حجابًا أو قصيرًا، المطلوب احترام خصوصية الآخر، وعدم مساسها حتى لو كانت عزومة سمجة سخيفة لزجة على فنجان قهوة أو ساندويتش فول، على هؤلاء أن يفهموا معنى الحرية والإنسان والخصوصية، ليس من حق أحد ما مهما علا شأنه أو قل، مد بوزه فيها، أو مد يده إليها، أو أنفه إلا برضا وموافقة الطرف الآخر، مهما كانت ديانته أو ملبسه، أو مكان تواجده، فهذا حقه الطبيعي لا يحدده دين أو عقيدة أو ملة، بل كفله القانون والدستور لا أكثر ولا أقل، وليس لدين، أي دين، سواء دين أكثرية، أو دين أقلية، سلطان أو نفوذ في هذا الأمر، أن تباح الناس وأعراضها على أساس ملبس أو زي أو دين أو عقيدة، فيباح الضعيف وتمتهن النساء ويكشف سترهن بفتاوى المضللين والكذابين، وهل يقبله هذا الشيخ المحرض والمضلل على أهل بيته؟

الحرية لا تتجزأ إذا مست دين الأقلية وتكتمل إذا حفت في دين الأكثرية، ولا تتقدم أمام دين الأكثرية، وتتراجع أمام دين الأقلية، ولا وزن لها عند حجاب أو نقاب أو سفور أو عري، ولا تهتز وتلين أمام مكان تواجدها، فتباح للمتحرش أمام باب السينما أو في الشارع وتمنع عنه أمام بيتها، وتكون في متناول يده إذا كانت مكشوفة وبعيدة إذا كانت محاطة بسور من السواد، وتكون متاحة له إذا كانت مسيحية عزيزة عليه إذا كانت مسلمة، الحرية كيان صارم واضح واقف ثابتًا شامخًا، في كل زمان ومكان، وعلى كل دين، على باب الكنيسة كما هو على باب المسجد، وعلى كل لون وجنس وزى، فلا تباح المرأة لدينها أو ملبسها أو زيها أو شكلها، ولا يهدد خصوصيتها ظريف أو لطيف أو سمج أو غلس.. ما بال قومنا قد وزنوا بميزان المطففين، وعجزوا عن فهم أبسط القواعد الإنسانية، وزاغوا عن الحق وضللهم المضللون؟ ماذا أصابنا وأصاب أولادنا من استهتار بالقيم والمثل والقانون وأصبحوا سعداء فخورين بهذا؟ هل هو الفقر الذي فتح لصاحبه أبواب الغل والحقد، والرضا والقبول باختراق القانون وخصوصيات الناس؟ يجوز... وهل هو الجهل وعدم تربية أولادنا على احترام الآخر والالتزام بالقيم والمثل وأصول التربية؟ يجوز.. وكل هؤلاء وأكثر.. ما هو الحل يا سادة؟. أغيثونا من هذا الخراب وهذا الدمار فهو أولى من كل الأولويات.

إعلان