إعلان

تجديد الدماء

د. غادة موسى

تجديد الدماء

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

08:59 م السبت 30 نوفمبر 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

في المجتمعات الشابة الفتية تصبح سياسة تجديد الدماء أمرًا مهمًا ولازمًا. وإذا تواكب وجود تلك المجتمعات مع تسارع وتيرة التطور التقني يصير التجديد ضروريًا ومطلوبًا.
وقد أثارت الحركة الأخيرة لتغيير المحافظين من جهة، ثم الاستعانة بشباب كنواب لهم من جهة أخرى ردود أفعال متباينة تراوحت بين الترحيب والدهشة والتساؤل عن الجديد والشعور بالحذر الذي يمتد للشعور بالخطر.
وما بين ردود فعل الفرح والحذر أثيرت تساؤلات عديدة حول أسباب وجدوى التغيير في ضوء عدم صدور قانون المحليات حتى الآن وفائدة وجود شباب كنواب للسادة المحافظين.
وجميعها تساؤلات مشروعة، ولكنها لا تصيب الإشكالية الرئيسية التي قد تهدد نجاح تجربة "الدماء الجديدة من الشباب".
---
وقبل الولوج إلى تناول تلك الإشكالية من الأهمية بمكان الإشارة إلى أهمية تولي الشباب زمام القيادة والتعلم وتحمل المسئولية، وهو أمر طبيعي تفرضه سنة الحياة والطبيعة الديموغرافية للمجتمع المصري.
ولكن هذا الأمر في ذاته يكشف تحديات عديدة، يأتي في مقدمتها تحدي المعرفة ثم تحدي الخبرة. فكيف يمكن مساءلة شاب/ شابة في موقع المسئولية وهو/ هي تفتقر الخبرات اللازمة، خاصة أننا ندفع، وسندفع بأعداد كبيرة لمواقع سياسية واقتصادية محلية ودولية في السنوات القادمة؟
قد يجيبني البعض بأنه تم بالفعل تأهيل هؤلاء الشباب. فعام بداخل أروقة التعليم والتدريب- على أهميتها- لن تكون بأي حال كافية لاكتساب خبرات لإدارة مرفق عام أو تولي منصب سياسي.
وهنا يمكن استلهام خبرات بعض الدول التي أقدمت على منح الشباب فرصا- أي تمكينهم- لإدارة مرافق عامة ومناصب سياسية، مثل فرنسا أو الهند أو حتى الصين؛ حيث سنجد أن الشباب يتلقون تأهيلهم السياسي والفني، ويستقون تجاربهم من عضويتهم في الأحزاب السياسية ومنظمات العمل الأهلي والاجتماعي. فعضوية الأفراد والشباب في دول مثل فرنسا أو الولايات المتحدة الأمريكية في المنظمات الأهلية غير الرسمية والأحزاب السياسية تفوق الـ٣٥٪ من إجمالي المجتمع.
فعبر تلك المؤسسات يتلقى الأفراد التأهيل والتمكين اللذين يؤهلان الشباب والمرأة تحديدًا للانخراط في العمل العام السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي والبيئي. وقد يحصل الشباب على تأهيل فني متخصص، ولكن لن يغنيه عن التأهيل والخبرات التي يتلقاها من خلال المؤسسات الحزبية والأهلية والتي تمثل جزءًا من مؤسسات التنشئة السياسية.

ومما يدعو للتفاؤل في هذا الصدد أن بعض نواب المحافظين من الشباب المنخرطين في بعض الأحزاب السياسية بالفعل. ونأمل أن تنضج هذه الظاهرة مع الوقت لتكون الأحزاب عامل جذب للشباب للانضمام إليها ومن ثم تقويتها.
أما عن الإشكالية، فهي ذات الإشكالية التي تواجهها المؤسسات والأجهزة الحكومية، منذ أن تم النص دستوريًا وتشريعيًا على منصب "الوكيل الدائم للوزارة"، بالإضافة للممارسة التي أتمت عامها الرابع والمتعلقة باختيار نواب للوزراء ثم مساعدين ثم معاونين، وكل هؤلاء يعملون إلى جانب المستشارين والخبراء. فبات لدينا صناع للقرار يفوقون في عددهم عدد القرارات التي يمكن أن تصدر.
ومما قاد إلى وجود إشكالية هو عدم التحديد الواضح للمهام والأدوار. فما هي مهمة نائب المحافظ ونائب الوزير؟ وكيف يكون توزيع الأدوار بينهما؟ فكلاهما منصب سياسي؟ أي ليس منصبا فنيا أو بيروقراطيا.
ولي أن أتساءل كيف سيتعامل النائب السياسي الشاب صاحب الخلفية الحزبية مع محافظ ليس حزبيا؟ كما تثور إشكالية أخرى حول العلاقة بين نائبين للمحافظ في ذات المحافظة؟
هل سيقوم المحافظ بتحديد أدوار كل منهما؟ وماذا سيحدث إن تداخلت الأدوار والمهام؟

الإشكالية الثالثة لها بعد نوعي (أي العلاقة الاجتماعية بسبب التنشئة بين الرجل والمرأة)، وتتلخص في توزيع الأدوار والمهام بين نائب رجل ونائبة امرأة من جهة، ثم حجم المسئوليات والثقة التي يمنحها المحافظ الرجل لنائبه امرأة؟
فمع أهمية مبادرة تجديد الدماء من الشباب، فإن عدم التحديد الواضح للمهام والأدوار والمسئوليات قد يخلق صعوبات وتحديات. كما قد يعرقل وضع وتنفيذ السياسات.

وفي جميع الأحوال، فإن ما سبق لا يقلل من فرحتي وفرحة الكثيرين مثلي بهذه المبادرة المهمة، وتطلعنا إلى أن تمتد ليس فقط لتجديد الدماء من الشباب، بل إلى كل عناصر وفئات المجتمع: من ممثلي الأحزاب السياسية والجمعيات الأهلية ومنظمات الأعمال والمرأة والبيئة ومن نقابات العمال والفلاحين والمحامين والمهندسين والأطباء.

إعلان