إعلان

تونس على موعد مع نفسها!

سليمان جودة

تونس على موعد مع نفسها!

سليمان جودة
09:00 م الأحد 08 ديسمبر 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

أشعر بأن الرئيس التونسي المنتخب قيس سعيد يكتشف في كل يوم، أن الأوضاع في بلاده خصوصاً على المستوى الاقتصادي، ليست كما كان يتصور عندما رشح نفسه رئيساً قبل شهرين تقريباً.. فما يبدو أمامه يوماً بعد يوم يضعه أمام واقع يختلف عن الصورة!.

فالرجل الذي قضى على كرسي الرئاسة شهراً بالكاد، يستيقظ في كل صباح على مشاكل متجددة في طول البلاد وعرضها، وهي ليست مشكلات متجددة وفقط، ولكنها تبدو وكأنها رأس جبل ثلج عائم.. والمعنى أن ما يظهر منها يمثل الجزء لا الكل!.

ذلك أنه ما كاد يتولى مهام منصبه رئيساً، حتى تبين له أن تشكيل حكومة جديدة مسألة ليست سهلة، وأن عدم تشكيلها خلال شهرين من تاريخ تكليف الحبيب الجملي، المكلف بتشكيلها حالياً، معناه الذهاب إلى انتخابات برلمانية مبكرة!.

فالانتخابات الرئاسية التي فاز فيها الرجل كانت قد جرت في سبتمبر، وكانت بوادر الجولة الثانية منها تشير إلى أنها محسومة له سلفاً، ولكن الانتخابات البرلمانية التي جرت في أكتوبر، لم يتم حسمها لصالح أي حزب، وكان حزب حركة النهضة الإسلامية هو الذي حاز الأكثرية فيها، وهي أكثرية تجعل تشكيل الحكومة من حقه بنص الدستور.. وسوف يكون عليه أن يشكلها تحالفاً مع أحزاب أخرى فائزة، ما دام لم يحصل على الأغلبية، التي كانت ستجعل التشكيل عملية سهلة عليه.. ولكن "لو" تفتح عمل الشيطان!.

وعندما فكر الشيخ راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة، في تشكيل الحكومة بنفسه؛ ليكون هو رئيسها، فإنه واجه مشكلات في طريقه، وكانت المشكلة الأكبر أن أحزاباً كثيرة من الأحزاب التي راح يطرق بابها، قد رفضته على رأس الحكومة، فاستدار واختار الجملي بدلاً منه في التشاور مع الأحزاب!.

ولكن هذه الأحزاب ترى أن الجملي محسوب على النهضة، إنْ لم يكن من الذين ينتمون إليها بشكل مباشر، وهذا هو السبب الذي جعل مهلة الشهر التي عليه أن ينتهي من التشكيل خلالها تكاد تنتهي، دون أن تكون هناك مؤشرات على نجاحه في مهمته!.

وإذا لم ينجح خلال الشهر، فسوف يمنحه الرئيس شهراً آخر وأخيراً، فإذا لم ينجح خلاله، فسوف تكون الانتخابات المبكرة هي البديل الأقرب!.

هذا على المستوى السياسي الذي يحتاج من الأحزاب كلها، وفي المقدمة منها حزب النهضة، أن تقدم صالح تونس على مصالحها.. فتونس هي الباقية، وهي الوطن الذي لا بديل عنه لكل تونسي، وهي التي لا بد بالتالي أن تكون أمام عين كل حزب فيقدمها ويؤخر كل ما سواها!.

والمستوى الاقتصادي بالنسبة للرئيس المنتخب لا يقل صعوبة.. فالأنباء الواردة من هناك تقول: إن لغة الاحتجاجات الجماهيرية تطل برأسها في الشارع وتكاد تعود من جديد.. وقد عادت فعلاً قبل أيام في مدينة جلمة التابعة لولاية سيدي بوزيد، التي شهدت إقدام الشاب عبدالواحد الحبلاوي على إحراق نفسه، احتجاجًا على سوء الأحوال المعيشية!.

وهي واقعة محزنة في حد ذاتها، وتعيد إلى الأذهان ذكرى قيام محمد البوعزيزي بالفعل نفسه في ٢٠١٠، الأمر الذي أدى إلى تداعيات جعلت من تونس البلد العربي الأول، ضمن سلسلة البلاد التي طالها ما يسمى بالربيع العربي في عام ٢٠١١، فقد كان عاماً ولا يزال من أصعب الأعوام في تاريخ العرب المعاصر، وربما يكون أصعبها بالفعل إذا ما تأملنا عواقب تداعياته!.

وما كاد الرئيس سعيد يستوعب حادث الحبلاوي، حتى جاءته الأخبار تقول: إن ولاية القيروان الشهيرة، التي أسس فيها عقبة بن نافع مسجده الشهير، توشك أن تشهد احتجاجات من المزارعين، الذين امتنعوا عن حصاد الزيتون اعتراضاً على تدني أسعاره!.

ورغم أن الواقعتين.. واقعة الشاب الحبلاوي وواقعة مزارعي القيروان.. يمكن استيعابهما في حدودهما، إلا أنهما تشيران من بعيد إلى طبيعة التحديات الكبيرة التي تواجه الرئيس الجديد، وتواجه معه حكومة جديدة لا تزال في رحم الغيب!.

وهناك بالطبع تحديات أخرى أكبر، وفي مقدمتها تحدي الدين الخارجي الذي يضع عبئاً ثقيلاً على كاهل الرئيس، ومعه كاهل حكومة لا تزال أيضاً في رحم الغيب!.

تونس تبدو بعد الاستحقاقين البرلماني والرئاسي، وكأنها على موعد مع نفسها، وهي مدعوة إلى أن تثبت أنها قادرة على مواجهة التحدي!.

إعلان

إعلان

إعلان