إعلان

استقال وزير النقل ولن يقع المزيد من حوادث القطارات

د. جمال عبد الجواد

استقال وزير النقل ولن يقع المزيد من حوادث القطارات

د. جمال عبد الجواد
09:00 م الجمعة 01 مارس 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

هزت حادثة قطار محطة مصر الرأي العام بسبب عدد الضحايا الكبير، ولأنها وقعت في محطة القطارات الرئيسية، أي في آخر مكان توقعنا للحادثة أن تقع فيه، سجلت الكاميرات تفاصيل الحادثة، وشاهدنا ضحايا يجاهدون لمقاومة النار التي أمسكت بهم، فشعرنا بمعاناتهم، وسأل كل واحد فينا نفسه: ماذا لو أنني أو أحد أحبائي كنا هناك؟

فزاد التعاطف مع الضحايا والغضب على الأوضاع التي قادت إلى الكارثة.

استقال وزير النقل هشام عرفات، أو لعله أجبر على الاستقالة، وأيًا كان الأمر فإن في استقالة الوزير احترامًا لمشاعر الرأي العام، ومحاولة لتهدئة الناس وطمأنتهم بأن أهل الحكم ليسوا بعيدين عنهم، ويدركون ما يشعرون به. أحمل كل التعاطف مع الضحايا وذويهم، لكني لا أشعر بالارتياح لاستقالة وزير النقل. لا أعرف الرجل، ولم ألتق به من قبل، وها هو قد أصبح خارج السلطة بلا ذهب أو سيف؛ لكنني تابعت سياسات الوزير المستقبل وقرأت تصريحاته، فوجدت لديه فهما لمشكلات قطاع النقل في مصر، وليس قطاع السكة الحديد فقط؛ ورأيت لديه منهجًا علميًا في التفكير، وخططًا ومشروعات طموحة وواقعية تعد بتطوير قطاع النقل وانتشال السكة الحديد من الهوة العميقة التي استقرت فيها منذ عقود. لهذا لم أشعر بالارتياح عندما خرج هشام عرفات من الوزارة بسبب حادث وقع نتيجة لتراكمات مستمرة منذ عقود، فيما تحتاج سياسات إصلاح السكة الحديد لسنوات؛ فهل من العدل تحميل الوزير مسؤولية مشكلات تراكمت منذ سنوات؟

دعك من مسألة العدل؛ فالخروج من الوزارة ليس بعقاب حقيقي في مقابل الأرواح التي تم إهدارها.

ولكن هل من المصلحة العامة خروج مسؤولين أكفاء من مواقع المسؤولية بسبب أخطاء متراكمة لم يسهموا في صنعها؟

هل نتوقع من أصحاب الكفاءات قبول المسؤولية عن وزارة النقل والسكك الحديدية في ظل واقعها الراهن، وما تأتي به من صداع وتأنيب ضمير واستقالات إجبارية؟

ألا ينفّر هذا أصحاب الكفاءات المتميزين المطلوبين للعمل والمناصب والأجور المرتفعة في الجامعات والقطاع الخاص؟

ألا ينتهي هذا بالمنصب في يد قيادات متواضعة الكفاءة قادمة من نفس البيروقراطية التي تواصل صنع التدهور منذ عقود؟

استقال وزير النقل، وسيصبح لدينا وزير نقل جديد خلال أيام أو أسابيع، وسيبذل الوزير الجديد كل ما يستطيع من جهد لإصلاح أوضاع السكة الحديد، فهل ستكف الحوادث عن الوقوع؟

الإجابة المؤكدة هي لا.

ستقع حادثة جديدة، ويسقط ضحايا جدد، وسيظل الوضع كذلك حتى يتم إصلاح السكة الحديد بشكل كامل، الأمر الذي لن يحدث قريبا حتى لو استوردنا وزير نقل من اليابان.

خروج وزير النقل من منصبه يدعونا للتفكير في معايير تقييم أداء الموظف العام، فمن الضروري الاتفاق على معايير موضوعية تنطبق على المناصب المختلفة، بعيدا عن الإحساس بالصدمة بسبب حادث أليم، أو الفرح الغامر بسبب حادث سعيد. فوزير النقل قد لا يكون مسؤولا عن حادثة القطار، وقد لا يكون لوزير البترول فضل في اكتشاف حقل غاز. وزيرة الصحة تتحمل كل الجهد لتنفيذ حملة علاج التقزم والأنيميا، لكن أثر هذه الحملة لن يظهر إلا بعد سنوات عندما يفوز عدد أكبر من الشباب بميداليات أوليمبية، وعندها سننسب الفضل لوزير الرياضة.

الأخطاء في السكة الحديد صريحة واضحة لا يمكن إخفاؤها، فضياع الأرواح هو الثمن الذي ندفعه نتيجة الإهمال.

لكن ماذا عن إهمال لا يؤدي إلى إهدار حياة؟

هل هو أمر غير مهم ويمكن التسامح معه؟ وهل يلاحظه الرأي العام ويثير اهتمامه أصلا؟

ماذا عن الإهمال في البحث العلمي أو الصناعة أو العدل أو البيئة؟

الإهمال في هذه القطاعات لا يقتل أحدا، فهل يظل الوزير في مأمن من تهمة الإهمال لأن أحدا لم يفقد حياته؟

مطلوب من مجلس النواب تطوير معايير تقييم أداء الوزراء وفقا لنجاحاتهم في تنفيذ خطط الإصلاح التي تعد بها الحكومة، وليس وفقا لحادث عارض أو تراكمات قديمة.

وزير الصحة ليس مسؤولا عن مستشفى تم إهماله منذ سنوات، لكنه بالتأكيد مسؤول عن التأخر في بدء خطة الإصلاح، وعن التدهور الذي قد يحدث لمستشفى إضافي.

وزير قطاع الأعمال ليس مسؤولا عن خسائر شركات قطاع عام تخسر منذ سنوت، لكنه مسؤول عن الحد من النزيف المالي في هذه الشركات وفقا لخطة يضعها، فنلزمه بها، ونحاسبه وفقا لها؛.

فهل يأخذ مجلس النواب المبادرة؟!

إعلان

إعلان

إعلان