إعلان

هل يمكن الحديث عن مجلة مستقلة؟

محمود الورداني

هل يمكن الحديث عن مجلة مستقلة؟

محمود الورداني
09:00 م الخميس 16 مايو 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

كتبتُ هنا من قبل عن المجلات الثقافية والأدبية الشهرية المنتظمة في مصر، وتبين أنها جميعا غير منتظمة ولا تصدر أغلبها سوى مرتين أو ثلاثة في السنة، كما تبين أيضا أنها جميعا تصدر عن مؤسسات رسمية مثل هيئتي الكتاب أو قصور الثقافة، والمفترض أنها تعي وتدرك أهمية المجلة الثقافية المنتظمة والدور الذي يمكن أن تلعبه، لكنها للأسف لا تشعر بأدنى مسؤولية عن استمرار هذا الخلل الفاضح والمخزي، ولا أظن أنه يمكن في المدى المنظور أن تنتبه إليه، وحتى لو انتبهت فهي لا تملك الإمكانيات لهذا أو هكذا تقول.

لهذا أقترح أن ننقل المناقشة إلى منطقة أرحب. هل يمكن الحديث عن مجلة مستقلة؟

ليكن في اعتبارنا أولا أن لدينا بالفعل مجلة المرايا الشهرية المستقلة وتصدرها دار نشر المرايا بانتظام منذ حوالي عام، أي أن لدينا نموذجًا حيًا يؤكد قدرتنا على القيام بالمهمة، لكن المرايا اختارت لنفسها أن تكون مجلة فكرية وهذا حقها، كما أننا نحتاج لهذا النوع من المجلات، ولا نملك مجلة مثلها تصدرها مؤسسة رسمية، وآخر مجلة فكرية محترمة كانت مصر الرسمية تصدرها هي "الفكر المعاصر" التي استمرت حتى سبعينيات القرن المنصرم ورأس تحريرها مفكرون من طراز زكي نجيب محمود وفؤاد زكريا، ثم "القاهرة" في تلك الفترة القصيرة التي تولى فيها المفكر الراحل غالي شكري رئاسة تحريرها في تسعينيات القرن ذاته.

بالطبع لدينا الكفاءات من الشباب القادرين على القيام بهذه المهمة، ولدينا هذه الخبرة تحديدا وسبق لنا أن خُضنا تجربة المجلة المستقلة مرات عدة. سأتوقف عند تجربة واحدة عاصرت بداياتها في مطلع الشباب الباكر، حين تجمع عدد من شباب الكتاب ذات ظهيرة بعد شهور قليلة من هزيمة 1967 على مقهى ريش، وقرروا إصدار مجلة مستقلة على نفقتهم لتكون صوتهم الخاص ورؤيتهم وموقفهم بعيدا عن المجلات الرسمية التي كانت تصدر آنذاك، وهي مجلات محترمة وتقود الحركة الثقافية، ليس في مصر وحدها بل على المستوى العربي أيضا مثل" الكاتب" التي رأس تحريرها أحمد عباس صالح، و"المجلة" التي رأس تحريرها يحي حقي.

ومع ذلك كان هؤلاء الشباب يريدون مجلة مستقلة لهم بعيدا عن أي سيطرة أو سقف يحدّ من تمردهم. هؤلاء الشباب هم الذين تشكلّت منهم إحدى أهم الحركات الثقافية وأكثرها تأثيرا وهم من أطلق عليهم جيل الستينيات، وأبناؤه هم الذين غيّروا وجه الكتابة الإبداعية بلا أي مبالغة، مثل إبراهيم أصلان ويحي الطاهر عبدالله وصنع الله إبراهيم وعبدالحكيم قاسم ومحمد البساطي وأمل دنقل والأبنودي وسيد حجاب.. وغيرهم وغيرهم.

جمع هؤلاء الشباب التبرعات وهم جلوس على مقهى ريش، وكان في مقدمة من دفع نجيب محفوظ ويوسف إدريس، وأسهم الفنانون التشكيليون بإقامة معرض للوحاتهم خصصت حصيلة بيعه لدعم المجلة الوليدة التي سميت بـ"جاليري 68". لم تصدر إلا ستة أعداد فقط ثم توقفت بعد أن شعر القائمون عليها أنها أدت غرضها، وكشفت عن خيال ولغة ورؤية فارقة في الأدب المصري الحديث.

وفي النهاية فإن ما نحتاجه حقا هو مجلة مستقلة، لا تستنسخ تجربة جاليري 68، وتقتحم مشكلة التمويل، فقد سبقنا وحلّ تلك المشكلة آباؤنا منذ نصف القرن. المهم أن نشعر حقا بهذا الخلل الفاضح الناجم عن سكوتنا وعجزنا كل تلك السنوات دون مجلة.

إعلان