إعلان

عشر ملاحظات على مؤتمر برلين

محمد حسن الألفي

عشر ملاحظات على مؤتمر برلين

محمد حسن الألفي
09:03 م الثلاثاء 21 يناير 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

أن ترى من بعيد هي أقرب للرؤية الصحيحة، وأن ترى من قريب هي انغماس في التفاصيل ربما يجعل الضباب كثيفا على عينيك وعقلك. لكن الابتعاد العميق والاقتراب الأعمق معا هما خطأ في تقديرات الحساب، وبخاصة إذا كان الأمر متعلقا بحسابات الأمن القومي، المهدد بالخطر المحدق المباشر.

نتحدث عن مؤتمر برلين حول ليبيا، الذي جمعت فيه ألمانيا بمبادرة منها الأطراف كلها، الفاعلين والمتفرجين، وكنا بالطبع هناك فاعلين ومؤثرين. وبعد انتهاء المؤتمر نرصد الملاحظات التالية:

أولا: إن المباحثات كلها جرت بين الكبار: إيطاليا وألمانيا وروسيا ومصر واليونان وفرنسا ولم يحضر المداولات طرفا الصراع. غاب عنها قائد الجيش الوطنى الليبي خليفة حفتر وفايز السراج، رئيس الحكومة المعترف بها دوليا.

ثانيا: تم تحييد، بل مهاجمة الدور التركي اللاعب الرئيسي في ليبيا، بعد توقيع مذكرتي التفاهم، (الاتفاقيتين الأمنية والاقتصادية بين أنقرة وطرابلس).

وكان الرئيس الفرنسى ماكرون الأعلى صوتا في ضرورة سحب المرتزقة المنقولين والمستخدمين بواسطة تركيا في الحرب ضد الجيش الليبي.

ثالثا: لم تستطع روسيا أن تقوم بدور فعال نظرا لارتباط المصالح الروسية بالمصالح التركية، في التسليح وفى الأزمة السورية.

ومع ذلك فإن لروسيا مصالح مباشرة مع خليفة حفتر، تسانده، وتستثمر أموالا ضخمة في البنية التحتية الليبية، حيث إن الجيش الوطني يسيطر على كامل المساحة الليبية عدا طرابلس ومصراتة، والأخيرة هي المحصنة تحصينا يرشحها أن تكون موقع المعركة الكبرى.

رابعا: شاركت مصر بفعالية وحضور بارزين في المداولات وتبادل الآراء، وقدمت مقترحات لحل شامل يرتكز على الحل السياسي.

في أدبيات المعارك والحروب والنزاعات الدولية فإن الحل السياسي يتضمن بالضرورة الحل العسكري عند نفاد كل الحلول الأخرى. وبعبارة مغايرة، فإن السياسة هي حرب بأسلوب مختلف، والحرب قرار سياسي.

خامسا: الموقف المصري وضع تركيا وروسيا معه في سياق واحد.

سادسا: كان مؤتمر برلين منصة توجت شرعية القائد الليبي خليفة حفتر، وجاء التتويج متزامنا مع تصويت شعبي ليبي، حين أغلقت القبائل منابع النفط قاطبة!

سابعا: لم يكن مؤتمر برلين حاسما ولا قاطعا في بند سحب أسلحة الميليشيات، وكانت العبارات دبلوماسية مطاطة، وتم التركيز على وقف إطلاق النار وأن أوروبا ستراقبه، ومن ثم لا بد من وجود قوات للاتحاد الأوروبي لمراقبة من يطلق النار على الآخر.

ثامنا: تقرر إزاحة مخرجات المؤتمر إلى مؤتمر آخر تحت مظلة الأمم المتحدة. بذلك خرج من عباءة الاتحاد الأوروبي إلى عباءة المنظمة الدولية. وهو انتقال يتيح للطرفين المتحاربين التحلل من الالتزامات الأدبية الناتجة عن مؤتمر برلين.

بعبارة أخرى، عاد الوضع إلى غسان سلامة، مبعوث الأمم المتحدة الفاشل منذ سنوات!

تاسعا: كان الحضور الأمريكي شاحبا، قياسا على الدور الروسي، وهو ما اعتبره المراقبون الانسحاب الثاني للبيت الأبيض بعد انسحابه الأول أمام روسيا في سوريا.

عاشرا: لماذا عقدت أوروبا المؤتمر؟!

المسافة بين شواطئ ليبيا وأول يابسة أوروبية في إيطاليا بضعة أميال. ومعظم الدواعش المنقولين بالطائرات التركية بحجة القتال بـ٢٠٠٠ دولار شهريا، ووعد باهت بالحصول على الجنسية التركية - تتجه عيونهم إلى قوارب الهجرة نحو أوروبا. هذا هو الخطر الفعلي الذي يثير قلق أوروبا وبالذات ألمانيا وإيطاليا.

عرضت مصر موقفها بالسياسة وبالمناورات العسكرية واسعة النطاق. الدبلوماسية المعززة بالقوة المادية والقوة القانونية.

كنا في الظلام والخراب قبل سبع سنوات.. واليوم يرتفع رأس مصر ليوازي رؤوس الكبار. نشع بالفخر والزهو الوطني.

إعلان