إعلان

"السينما والفنون".. حكاية تراجيدية وحلم نقدي لم يكتمل

د. أمل الجمل

"السينما والفنون".. حكاية تراجيدية وحلم نقدي لم يكتمل

د. أمل الجمل
08:39 م الجمعة 01 مايو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

"نحن لا نؤرخ لحركة النقد السينمائي، فنحن كجمعية وحتى كنقاد فرادى لسنا في وضعية أن نكون الحكم والخصم معاً".. تلك الكلمات منسوبة للناقد السينمائي الراحل محسن ويفي في مقدمة كتابٍ ضمن الحلقة البحثية المعنونة بـ"النقد السينمائي في السبعينيات" والتي صدرت عن مهرجان الإسماعيلية الأخير، وشارك فيها نخبة من الأساتذة والزملاء في مجال النقد السينمائي، كان من بينهم د. ناجي فوزي، وأحمد عبدالعال، ومجدي الطيب، ود. نادر الرفاعي، وأحمد شوقي، وعقَّب عليها الناقد والمخرج السينمائي القدير هاشم النحاس، وكمال رمزي الذي يُعد أحد أعمدة النقد السينمائي المصري منذ سبعينيات القرن العشرين.

أغلب البحوث بين ضفتي الكتاب على مستوى مرتفع، ولها أهميتها في التوثيق للحركة النقدية سواء اختلفنا أو اتفقنا حول المنهج والأسلوب المستخدم، لكني سأتوقف أمام الورقة البحثية لأحمد شوقي والمعنونة بـ"السينما والفنون.. حلم نقدي لم يكتمل"، التي تتناول تجربة نشأة جريدة السينما والفنون التي كان وراء إصدارها الناقد السينمائي الراحل سمير فريد عام ١٩٧٧، ولم يصدر منها سوى ٣٥ عدداً فقط. والتي سأتوقف أمامها لعدة أسباب تتعلق بالشكل والمضمون، مثلما تتعلق بمضمون الحلقة البحثية في حد ذاتها.

هذه الدراسة -على الأخص الفصل الأول منها- مكتوب بلغة قوية تثير الإعجاب، وأفكار محكمة البناء، وأسلوب موضوعي، مثلما تكشف التطور الحادث في أسلوب شوقي عن أعماله البحثية السابقة رغم أهميتها.

التأريخ النقدي ضرورة

كما أن المنهج التحليلي الذي استخدمه الباحث يرد ببساطة شديدة على رأي محسن ويفي الذي افتتحنا بها هذا المقال، ويؤكد أنه يمكننا أن نكون الحكم والخصم معاً، يمكننا أن نؤرخ لحركة النقد السينمائي المصري، وشخصياً أراه ضرورة حتمية، مثلما أعتقد بأنه يُمكننا -أفرادًا أو جمعياتٍ- أن نقيمه أيضاً بكل سلبياته وإيجابياته، بنقاط قوته ومكامن ضعفه.

من هنا، تتجلى أهمية البحث الذي كتبه أحمد، فهو من طرف خفي يجعلنا نضع علامات استفهام حول مصداقية بعض الكتابات والشهادات النقدية المتأخرة والتي تتناول فترات تاريخية سابقة، فمن خلال سرد حكاية الصراع الدرامي من حول الجريدة، وتحليله للمواد المنشورة بها، ومقارنتها بالشهادات المنشورة لاحقا لبعض النقاد، أكد الباحث بالدليل أن الإرث النقدي الذي خلفه لنا بعض النقاد الأوائل، يحتاج للمساءلة والفحص والتمحيص، وأن تلك المساءلة ضرورة قصوى للوقوف على الحقيقة وتفنيد الأساطير، من دون التقليل من دور هؤلاء النقاد الكبار، أو من جهودهم.

المحاور الثلاث

يتضمن البحث ثلاثة محاور؛ أولها سرد تاريخي لتجربة إصدار الجريدة، مروراً بالصدام المعلن والخفي حتى يوم توقفها عام ١٩٧٧ الذي كان من أكثر أعوام مصر سخونة سياسيًا وثقافياً، مما ترك أثره على محتوى الجريدة، فقد صدر العدد الأول منها قبل أيام قليلة من "انتفاضة الخبز"، وإن لم ترد أخبار عن زيارة السادات لإسرائيل على صفحات الجريدة، لكن الصراع العربي الإسرائيلي في فترة ما بعد الحرب كان حاضراً.

أما المحور الثاني فيرصد محتوى الجريدة والمواد المنشورة خلال الأعداد الـ٣٥، ثم يقدم المحور الثالث رؤية نقدية حول محتوى الجريدة من مقالات حول الأفلام المصرية.

صحيح أن عمر هذه الجريدة كان قصيرًا للغاية، لكنها فاتت في صراع درامي، وفق ما يشي به سرد الباحث منذ صدورها والمواءمات التي خاضها المؤسسون لاستمرارها، وذلك بسبب التناقض بين كونها مطبوعة حكومية، وبين المنظومة الفكرية والقناعات الخاصة بكتابها، حيث ضمت كتابات أغلب نقاد جيل السبعينيات، بدءاً من المؤسس سمير فريد، ومعه يوسف شريف رزق الله ومحمد كامل القليوبي وكمال رمزي وعلي أبوشادي وغيرهم.

يتميز البحث بأنه مكتوب بسرد مشوق، نتيجة كشفه للصراعات التي دارت من حول الجريدة، وكذلك بسبب تفنيد أحمد لبعض الشهادات غير الموثوق بها مثل شهادات للناقد السينمائي أمير العمري، إذ استعان أحمد شوقي أكثر بشهادة للعمري الواردة ضمن كتابه "حياة في السينما"، لكن شوقي نوَّه بضرورة عدم الوثوق في تلك الشهادات؛ لأنها علي ما يبدو اعتمدت على الذاكرة ولم تستند للوثائق، إذ يُثبت الباحث خطأ تلك الشهادات عدة مرات من خلال مراجعة ما قاله العمري مع معلومات جريدة الفنون نفسها، خصوصاً أن روايات العمري لأسباب الصراع تضاربت واختلفت عما رواه كل من يوسف شريف رزق الله، وكذلك عما رواه سمير فريد نفسه، ثم يفند الباحث أسباب انحيازه لرواية مؤسس الجريدة.

إن هذا البحث خطوة ضرورية لمسألة هذا الإرث، وعدم تصديق كل ما كتبه البعض من شهادات لاحقة إلا بعد التأكد منها لوضعها في مكانها الحقيقي، ومن أجل إعادة تقييم تاريخنا النقدي، لإعادة كتابته على الشكل الصحيح، وربما التعلم والاستفادة من أخطاء الماضي.

إعلان