إعلان

الاختيار.. التواصل الاجتماعي لمكافحة داعش أم دعمه؟!

أحمد الشيخ

الاختيار.. التواصل الاجتماعي لمكافحة داعش أم دعمه؟!

أحمد الشيخ

Twitter: ael_sheikh

صحفي وباحث متخصص في الإعلام الرقمي وحاصل على درجة الماجستير في علوم وسائل التواصل الاجتماعي من جامعة ويستمنستر في لندن

 

 

03:56 م السبت 23 مايو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

عندما وصلت أحداث مسلسل الاختيار إلى ذروتها بتجسيد معركة البرث، اشتد على وسائل التواصل الاجتماعي التفاعل بوجهيه المحمود والمذموم. أما المحمود فشمل تسليط الضوء على بطولات الجيش المصري متصديًا لتنظيم داعش الإرهابي، وأما المذموم فكان من أشكاله ترديد المصطلحات الرنانة التي يتبناها التنظيم، فوقع البعض في فخ الترويج لخطاب التنظيم الإرهابي سواء بحسن أو سوء نية.

أحد المنشورات على فيسبوك كان يحاول تحليل معركة البرث عسكريًا، ويبدو أن كاتبه أراد أن يدعي إلمامه بأسلوب تنظيم داعش في تنفيذ الهجوم، فقال إنه اعتمد على “انغماسيين”، وهذا لفظ لا تستخدمه إلا الجماعات الإرهابية، وتطلقه على المسلحين من أعضائها الذين يخوضون معارك صعبة قد تنتهي بموتهم، والأصل اللغوي للكلمة أن المسلح المهاجم ينغمس خلف خطوط المواجهة فيكبد الطرف الآخر خسائر كبيرة. وللقيام بهذا الدور يجب أن يتمتع المهاجم بقدرات قتالية عالية. ويهدف استخدام المصطلح إلى إضفاء تميز زائف على مثل هذا العنصر وإيهام المؤيدين للتنظيم بوجود عناصر على درجة عالية من المهارات القتالية.

المنشور لم يكتفِ بارتكاب خطيئة ترديد مصطلحات الجماعات الإرهابية ومساعدتها في توصيل البروباجندا إلى المؤيدين والمتعاطفين، وإنما ضلل الجمهور بالخلط بين هؤلاء المهاجمين وأولئك الذين فجروا أنفسهم باستخدام أحزمة ناسفة أو سيارات مفخخة، فالمهاجم الذي يصفه المتطرفون بالانغماسي يأتي دوره عادة بعد تفجير السيارات المفخخة أو الأحزمة الناسفة، فهو يأمل في وجود حالة ارتباك بعد التفجير، ويأمل في استخدامها؛ ليخترق خطوط المواجهة ويخوض معركة قتال متلاحم، ويهدف إلى إلحاق أكبر قدر من الخسائر.

كان واجبًا على كاتب المنشور أن يوضح أن الصف الأول من مهاجمي البرث كانوا انتحاريين في سيارتين ملغومتين، أما الآخرون فكانوا إرهابيين مسلحين يطلقون النار من مسافات بعيدة، ولم يخوضوا قتالاً متلاحمًا، وحتى عندما ظن بعضهم أنهم قضوا على كل عناصر الكمين وحاولوا التسلل إلى المبنى واجهوا مقاومة عنيفة شارك فيها الجنود المصابون -أيضًا-، فردوا المتسللين على أعقابهم خاسرين.

ولفظ مقاومة يليق بجندي يرتدي زي الجيش المصري ويواجه هجوم العصابات التكفيرية، ولا يليق بضابط سابق ضل طريقه، فصوب فوهة بندقيته تجاه زملائه بدلا من أعدائه، وبالتالي أحسن جمهور وسائل التواصل الاجتماعي عندما انتقد مقالا يتبع نفس أسلوب بروباجندا المصطلحات الرنانة ويضع كلمة مقاومة في جملة واحدة مع اسم هشام عشماوي، وبالفعل تم حذف المقال من على موقع مدونات الجزيرة.

وعندما وقع هجوم إرهابي على عناصر من الجيش المصري في منطقة بئر العبد استغرب جمهور وسائل التواصل الاجتماعي أن وسائل إعلام عربية وأخرى تحسب نفسها مصرية لا تستخدم مصطلح شهداء عندما تتحدث عن الضحايا من رجال الجيش، وتصفهم بالقتلى فتساوي بين الإرهابي من عناصر داعش والفدائي من رجال الجيش.

وكلمة "الشهيد" تحمل معاني التكريم؛ لأنها تعني أن الشخص المقصود شاهد على الحياة الحالية؛ لأنه حي يرزق تطبيقًا للوصف القرآني: "أحياء عند ربهم يرزقون".

من المنطقي أن تتجنب وسائل إعلام غير عربية استخدام لفظ شهيد؛ لأنها ببساطة تتجنب المصطلحات ذات البعد الديني، ولكن من غير المنطقي أن تتلاعب وسائل إعلامية بصفة الشهيد فتمنحها وتمنعها حسب مدى توافق المعركة مع توجهها السياسي، فإذا رصدت تغطية بعض المنصات تجد أنها تعتبر المدافع عن أرضه في فلسطين شهيدًا، والمدافع عن أرضه في سيناء قتيلاً!.

منشور آخر على فيسبوك يستعير لفظ "ولاية سيناء" وهو تعبير خرج من النشرات الدعائية لتنظيم داعش ووجد طريقه إلى المنصات الاجتماعية، وحتى وسائل الإعلام التقليدية، فقد رأيت واحدًا من أشهر المذيعين العرب يستخدم اللفظ عند حديثه عن إرهابيي داعش في سيناء.

ومجرد نطق لفظ "ولاية سيناء" على لسان مذيع مصري انتصار لماكينة دعاية داعش، فهذا يعني أنه نجح في تسريب مصطلحاته إلى الجيش الإعلامي المنافس، والذي تطوع بدوره ونقل المصطلح إلى الملايين من جمهور التليفزيون والمنصات الرقمية، أساء المذيع بذلك إلى شهداء الجيش المصري الذين قدموا أرواحهم لمنع تحويل هذا المصطلح إلى أمر واقع.

وبالطبع يفرح أعضاء التنظيم عندما تستخدم وسائل الإعلام مصطلحات مثل "تنظيم الدولة الإسلامية"، أو حتى "تنظيم الدولة"، فهم بذلك يسمعون اللفظ المفضل لديهم وهو "الدولة".

وتتذرع بعض وسائل الإعلام بدعوى الالتزام باستخدام الأسماء الرسمية، ولكن هذه ذريعة غير مقبولة، فهل كانت وسائل الإعلام تصف ليبيا بالجماهيرية العظمى في عهد القذافي؟، وهل تستخدم الاسم الرسمي للجيش الإسرائيلي وهو "جيش الدفاع الإسرائيلي"؟!، والاسم الرسمي لكوريا الشمالية وهو "جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية"؟!، بالطبع لا تستخدم وسائل الإعلام الأسماء الرسمية إذا كانت قائمة على مبالغة أو دعاية، وبالتالي لا سبب منطقيًا لاستخدام وصف "الدولة" حين الإشارة لتنظيم إرهابي، ويجب الالتزام بمسمى داعش، وهو اسم لا يحبه أعضاء التنظيم.

على وسائل التواصل الاجتماعي أيضا يتسابق البعض لاستخدام كلمة "إصدار"، وهو مصطلح تستخدمه الجماعات المتطرفة؛ لوصف أعمالها الدعائية المصورة، واستخدامه أيضا تكرارًا لدعاية المتطرفين ومساعدة لهم على اختراق المجال العام، فالأفضل أن نصف تلك الأعمال بأنها دعاية أو بروباجندا.

وهناك أيضا النشرة التحريضية التي يصدرها داعش دوريا وتحمل اسم "النبأ" وهي تظهر في شكل جريدة وتنشر على الإنترنت وتتلقفها وسائل الإعلام وتصفها بالنشرة الإخبارية، وهذا وصف خاطئ، فهي لا تصدر عن مكتب إعلامي أو حتى شركة علاقات عامة شرعية وإنما تصدر عن جناح الدعاية التابع لجماعة إرهابية، وبالتالي يجب أن توضع في سياقها الدقيق.

تلك النشرة المضللة بالإضافة إلى طوفان من التغريدات من وسائل داعش البديلة بعد أن فقد قدرته على إنتاج مقاطع دعائية مصورة والتي كانت سببًا أساسيا في شهرة التنظيم، فلم يعد تنظيم داعش يتمتع برفاهية تصوير الفيديوهات عالية الجودة على سواحل ليبيا وأراضي سوريا وصحراء العراق، فلجأ إلى تويتر، فما عليك إلا مطالعة الهاشتاج الأول في مصر مثلا؛ لتجد سيلا من الحسابات الوهمية يستخدمه؛ لنشر أخبار عن عمليات متفرقة خصوصًا في العراق ونيجيريا.

تعرف الجماعات المتطرفة أن أزمة "كورونا" دفعت الجمهور إلى قضاء وقت أكبر على الإنترنت، وبالتالي زادت فرص نشر السموم الإعلامية، ويهدف التنظيم إلى تعويض خسائره على الأرض بتكثيف جهود العمل الإعلامي الذي من شأنه أن يقدم معلومات للأعضاء ويجذب المتعاطفين وربما الأعضاء الجدد.

وتقوم الاستراتيجية الحالية على التخويف بالقول إن فيروس "كورونا" غضب من الله، والتضليل بالزعم أن التقرب إلى الله يكون بالانضمام للجماعات المتطرفة، والتهويل بالادعاء أن التنظيم يحقق انتصارات في سيناء والعراق وأفريقيا.

للأسف تجد هذه الادعاءات صدى لدى جمهور وسائل التواصل الاجتماعي والمؤسسات الإعلامية، ويتذرع البعض بأنهم ناقلون للخبر ومعالجون له، ولأصحاب وجهة النظر هذه أقول إن الباحثين في علوم البروباجندا دائمًا يقولون: "لا توجد تغطية إعلامية سيئة"، وبالتالي لا يجب أن يكون التعامل الإعلامي مع دعاية داعش في إطار التغطية، وإنما في إطار الدعاية المضادة، فقد أصبح كل صحفي أو مستخدم لوسائل التواصل الاجتماعي في موقع الاختيار بين ترديد دعاية داعش أو مكافحتها.

إعلان

إعلان

إعلان