إعلان

 خليكوا شاهدين...!

نهاد صبيح

خليكوا شاهدين...!

نهاد صبيح
07:22 م الجمعة 29 مايو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

الفن الجميل ليس فقط الفن الذي يتواكب مع العصر بل هو الفن الذي يسبق عصره بأزمنة مستقبلية قابلة دائمًا للتجديد.

إننا نستمع حتى الآن لكلمات عمالقة الشعر الغنائي في ستينيات القرن الماضي وكأن هذه الكلمات كتبت في عصرنا الحالي، إنها تصف ليس بكل دقه فحسب بل وأيضًا بالحالة الشعورية نفسها التي نعيشها الآن، ولكن… من منا أصبح لديه القدرة أو الوقت للاستماع والتأمل أو كما تقول العامية المصرية (مين له نفس يسمع ويحس)، وليت الأمر يتوقف على ذلك فقط، بل وللأسف كاد الفن الراقي بمعناه الحقيقي يندثر، وأستبدل الحال اليوم بما لا أستطيع أن أجد له وصفًا، مواد فيلمية أو كما يطلق عليها المتخصصون (الكليبات) الكلمات (أي هبل)، والموسيقى (غالبا مسروقة من بعضها البعض)، والتصوير (في غرف النوم) متخذين مما فرضته أجواء جائحة "كورونا" علينا من إجراءات احترازية حجة واهيه وسندًا غير شرعي، والحقيقة ليست كذلك على الإطلاق!.

لقد وصل الاستسهال والاستخفاف بالكلمة حدًا من التدني يتساوى مع ما وصلت إليه الصورة... فمن منا كان يصدق أن تصل الكاميرا إلى غرفة النوم، بل الحمام ذاته... وكأنه إعلان عن سيراميك للحوائط أو الأرضيات، لقد أصبحنا نطلق على ذلك أنه نوع من الفن، إنه فن الدونية والإسفاف...

ما الفكرة أو النصيحة أو حتى المتعة التي ستعود على المتلقي حين يشاهد هذا (الهبل)، هل هذا فقط لقتل الوقت في زمن الجائحة؟!، قتل الوقت كقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق...إننا نغتال أنفسنا وليس الوقت.

لقد أصبحنا كـ(قناوي) في المشهد الأخير والعبقري من فيلم "باب الحديد"، الواقع بالنسبة لنا هو ما نفترضه لنعيشه افتراضًا في عالم مفترض.

أصبحنا في ملهاة كبيرة، منساقين دون تفكير كمسلوبي العقل قبل الإرادة، والمضحك المبكي أننا أخذنا في تطوير ما نستخدمه حتى أصبحنا خدامًا له، وليس هو بخادم لنا، وهذا ليس فقط في مجال الفن أو الإعلام، بل تقريبًا في جميع المجالات إلا من رحم ربى وأنار له بصيرته قبل بصره.

إننا بحاجة لوقفة قوية مع النفس ومصارحة بضمير يقظ، والتوقف فورًا عن هذا العبث فمليارات...نعم مليارات المواد الفيلمية تبث يوميًا عبر مواقع التواصل والتطبيقات الإلكترونية، والتي أكاد أجزم أن نصفها بل أكثر من النصف بكثير ليس له أي فائدة، بل على العكس قد يصل الأمر لحد الضرر والإضرار بداية من الفرد وانتهاء بالمجتمع كله.

ما الفائدة في بث مباشر يحكى عن تفاصيل يومية تصف حياة فرد عادي من مأكل وملبس -ومعذرة- و(إخراج)، كأنه يشهد الآخرين على حياته بكل تفاصيلها؟!، ما الخبرة أو الحكمة أو المتعة المكتسبة -بالله عليكم-، لقد كانت الجملة العامية الشهيرة (ربنا يفرج عليك خلقه) نوعًا من السباب، أما اليوم فهي نوع من العروض على منصات التواصل.

لو كان الإضحاك هو الهدف، فما أجمله من هدف، ولكن للأسف الأمر مبكٍ، وليس مضحكًا، وهكذا بدأنا السباق... سباق السقوط...، وكلما كان عدد المتابعين أكثر كلما كان السقوط أعمق، فلعلنا نستفيق مما نحن فيه، ونكف عن إنتاج هذه المواد السخيفة ونستغني عن فكرة...

خليكوا شاهدين..!

إعلان

إعلان

إعلان