إعلان

الجونة السينمائي السادس مرآة لأحوال العالم في الماضي والحاضر

د أمل الجمل

الجونة السينمائي السادس مرآة لأحوال العالم في الماضي والحاضر

د. أمل الجمل
04:08 م الخميس 14 ديسمبر 2023

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تبدأ اليوم فعاليات الدورة السادسة لمهرجان الجونة السينمائى ١٤- ٢١ ديسمبر ٢٠٢٣، بعد تأجيل نحو شهرين بسبب تداعيات الحرب على غزة. إن عدم الإلغاء والإصرار على اطلاق فعاليات هذه الدورة الاستثنائية - المهداة إلي فلسطين - هو قرار صائب شجاع يستحق التحية، خصوصاً مع تطويع البرنامج لخدمة الأحداث الجارية، باتاحة الفرصة لعرض مجموعة من الأفلام التي ألقت الضوء على الصراع الفسلطيني الإسرائيلي بتوقيع عدد من أهم المخرجين والمخرجات.

كذلك تخصيص برنامج لعرض أفلام سودانية من توقيع مخرجين من (جماعة الفيلم السوداني) من إنتاج الفترة بين منتصف الستينيات والتسعينيات من القرن العشرين والتي تكشف أن السودان كان بها مخرجين واعدين متمكنين من أدواتهم… تتجلى أهمية هذه البرمجة خصوصاً في ظل الحرب الشرسة في السودان التي أتت على الأخضر واليابس، والمفارقة أيضاً أن هذا يحدث بينما يتصاعد النجاح العالمي الذي يُحققه صناع السينما السودانية في السنوات الأخيرة، ومن أبرزهم أمجد أبو العلاء مخرجاً ومنتجاً الذي أثبت أنه سينفيلي مقاتل، والمخرج صهيب قسم الباري بفيلمه الرائع «حديث عن الأشجار»، والمخرجة سارة سليمان صاحبة الفيلم المهم «أجساد بطولية»، وأحدثهم محمد كردفان بفيلمه «وداعاً جوليا» الذي لازال يحقق نجاحاً مدوياً، إضافة إلي آخرين لازالوا يقدمون محاولات جيدة.

لاشك، هناك عشرات الأفلام الجيدة في برمجة الجونة بعضها عن فترة وباء كورونا، بعضها عن عالم الثورات والحروب وآثاره الوخيمة الحاضرة بقوة، منها فيلم «بلاد ضائعة»، «الحد الأخضر»، البعض الآخر عن الحب والطلاق وعالم النساء والفتيات، وصراع الأجيال، أفلام عن العلاقات الإنسانية بكل ارتباكاتها، وتعقيداتها كما في «تشريح سقوط»، و«سعادة متحولة» هناك أفلام لمخرجين من أبرز العلامات بالفن السابع مثل رومان بولانسكي بفيلمه «القصر»، أفلام وثائقية عن الطبيعة ومقاومة الإنسان وتكيفه مع الصعوبات وتقبل الأطفال للظروف من حولهم وتعاملهم مع الموت، إضافة إلي وثائقيات عن حياة ومسيرة بعض المشاهير كما مع النجمة جين بركين تلك الأسطورة وحياتها ومشوارها الفني، وهزيمتها واستسلامها لبعض السنوات ثم نهوضها مجددا.

وسط كل هذا، ومع ضيق الوقت، إذ يصعب مشاهدة جميع الأفلام، لذلك سوف أنحاز لبعضها، وأرشحها للمشاهدة ومنها: «لو فقط الغرق في السبات» IF ONLY I COULD HIBERNATE فيلم من مانغوليا بإنتاج مشترك مع فرنسا وسويسرا، مدته ٩٣ دقيقة، هو الفيلم المانغولي الأول الذي يعرض في مهرجان كان السينمائى. شاهدته بمهرجان كارلوفي فاري السابع والخمسين. كانت القاعة الكبيرة ممتلئة عن آخرها وظل الجمهور يصفق طويلا.. فيلم رقيق، جميل ومؤلم ومانح للأمل رغم جرعة الإحباط والمعاناة أثناء السرد. البطل طفل موهوب لديه شغف بعلم الفيزياء.. ويريد أن يلتحق بالمسابقة التي تؤهله للحصول على منحة دراسية.. لكن أسلوب أمه في الحياة يكاد يقضي علي حلمه.. فالأم غير قادرة على إعالة أطفالها الثلاث، فهى محبطة وتعاني الإكتئاب وتدمن الشراب.. تهرب فتذهب للريف بحجة العثور على عمل هناك .. ومن ثم تترك أطفالها الثلاث لإدارة شئونهم وبينهم طفل صغير جدا.. هنا، العلاقة بين الأطفال والأم، نضج وحزم الابن الكبير الموهوب.. وقسوته على أمه، لأنه يفهم شخصيتها.. بينما الطفل الأصغر مولع بأمه ويتعامل معها كأنه هو الأم، إذ لديه عاطفة قوية تجاهها.. علاقة الأشقاء الثلاثة مع بعضهم البعض، علاقة الموهوب بمدرسه.. الرجل المسن الذي سيظهر في حياتهم وزوجتهم بقصته الفرعية الداعمة والمؤكدة لمغزى قصة الفيلم.. فيلم ستخرج منه وأنت إنسان غير الذي دخل إليه.

وداعاً جوليا

شخصياً لي تحفظات فنية على بعض مناطق السرد بفيلم «وداعاً جوليا»، مع ذلك هذا لايقلل من الفيلم، بل أقول أنه فيلم مفاجيء، قوي، متدفق، كاشف للعنصرية الفجة التي كانت سائدة في المجتمع السوداني.. وعقدة الذنب ومحاولة التكفير عنها.. إنه الفيلم الروائى الطويل الأول للمخرج محمد كردفاني والذي حصد عشرات الجوائز منذ عرضه العالمي الأول في مهرجان كان، وإنتاج المخرج أمجد أبو العلاء الحائز من قبل على أسد فينيسيا بمسابقة آفاق.. هنا، كردفاني يقدم نفسه بثبات وثقة عبر لغة سينمائية لن أقول متقشفة لكنها تنحاز للمضمون بقوة حتي لو كان ذلك يقتضي المباشرة والوضوح في الخطاب السينمائى، كما أن أمجد أبو العلاء يثبت أنه ليس فقط مخرج موهوب لكنه أيضاً قادر على القتال لأجل السينما التي يحب ويؤمن بها.

IN OUR DAY

«في أيامنا» هذا الفيلم لم أشاهده بعد، مع ذلك أرشحه لك بثقة لأنه من توقيع المخرج هونج سانج سو Hong Sang soo، الذي تم ترشيحه ل ١١٢ جائزة، ونال ٥٩ جائزة مرموقة بينها ثلاث دبب فضية عن ثلاثة أفلام مختلفة، منها الفيلم الذي شاهدته في مهرجان برلين ٢٠٢٠ وحصد عنه جائزة أفضل مخرج بعنوان (المرأة التي هربت)، فيلم بسيط جدا، اثنتين من النساء / صديقتان تجلسان حول مائدة في مكان مغلق، تحكيان بتداعي الشعور، فيلم ارتجالي نوعاً ما، المرأة الشابة تحكي قصتها وعلاقتها بحبيبها، وتتناول الطعام الذي تحبه، فتلف قطع اللحم المشوي في ورق الخس، وأثناء ذلك نعرف بعض من تفاصيل المرأة الجارة التي هربت، والشائعات التي أطلقت من حولها.. فيلم بديع وساحر رغم المكان الواحد تقريبا، والشخصيات المحدودة .. أما الفيلم الأحدث (في أيامنا) فهو أيضاً يدور في إطار محادثتين منفصلتين - أحد أطراف كل محادثة - ممثلة وشاعر، ومن خلالها ردود أفعالهما مع شريكهما في الحديث نجد أنفسنا منغمسين بالتفكير في جوهر الحياة وأهميتها اليومية. فيلم يصفه كثر بأنه مثل قصيدة الهايكو، أي أنه قصير وموجز جداً لكنه بليغ.

(تنويم مغناطيسي) THE HYPNOSIS

(تنويم مغناطيسي) هذا الفيلم عرض للمرة الأولي في المسابقة الرسمية بمهرجان كارلوفي فاري السابع والخمسين وحصد البطل جائزة التمثيل الأولى، وقد وقف علي خشبة المسرح قائلاً: «لولا شريكتي في التمثيل لما حصلت علي هذه الجائزة،»» مضيفاً: » لذا اسمحوا لي أن أقتسم هذه الجائزة معها».. وفي تقديري الشخصي أن الممثل محق تماماً، فالفيلم يعتمد أساساً على أداء البطلين الزوجين بأداء تمثيلي تتجلى أهميته في أنه كاشف للأنانية المدفونة في أعماق النفس البشرية، وكيف يمكن للإنسان أن يكون وضيعاً لأجل تحقيق حلمه، ليس فقط على حساب الآخرين، لكن الأدهى أن يكون ذلك على حساب أقرب الناس إليه، على حساب المرأة التي يقول أنه يحبها، من زاوية آخرى يحسب للفيلم انحيازه لضرورة بلوغ نقطة اللاعودة..

ومن السينما الإيرانية المشتركة أرشح لك فيلم «شباك خاوية» EMPTY NETS والذي فاز بجائزة لجنة التحكيم الكبرى من مهر جان كارلوفي فاري السابع والخمسين، عن قصة حب بين شابين يقتلها عدم القدرة على إيجاد فرصة عمل لائقة، إنه فيلم بسيط وعميق، يمكن أن يحدث في أي مكان بالعالم، بأشكال مختلفة، حين يفقد الإنسان نفسه وكرامته أثناء البحث عن لقمة العيش الكريم.

ومن إيران أيضاً أرشح لك فيلماً مهماً عن صلابة النساء (سبعة شتاءات في طهران) SEVEN WINTERS IN TEHRAN . أما على مستوي السينما العربية أرشح لك الفيلم اللبناني القصير «اليرقات» إخراج الأختين ميشيل ونويل كيسرواني. فيلم قصير عابر للنوعية، مزيج من الأجناس السينمائية.. به تخييل قوي وربط الماضي بالحاضر حول قضايا النساء عبر التاريخ، ومن مصر أرشح لك فيلم المخرجة آيتن أمين «عائلة شنب»، ومن العراق «سعادة متحولة» TRANSIENT HAPPINESS ، كذلك فيلم «ماشطات» إنتاج مشترك بين تونس ولبنان.، وفيلمي «وداعاً طبرية»، و«من عبدول إلي ليلى».

إعلان

إعلان

إعلان