إعلان

تلك الأشياء الطيبة..

د.هشام عطية عبد المقصود

تلك الأشياء الطيبة..

د. هشام عطية عبد المقصود
05:34 م الجمعة 22 ديسمبر 2023

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع


يحتاج المرء إلى تجارب كثيرة قد تمتد زمنا وتأخذ براحا من العمر وفصوله وسيرته، وقد لا يختبرها البعض الآخر قط فتلك فيوضات الله وجهد السعى والدأب والتفكر والرضا، وذلك حتى يدرك ويستقر لديه أن قسما كبيرا من تعلم صناعة البهجة وشكر النعم إنما يكون ذاتيا، حين تصل إلى مرحلة لا يجدر أن تنشغل بتسميتها، لكنها تتضمن ذلك الشعور المفعم الذى تمتلئ به اقتناعا يسيرا، وحيث يكون حينها إدراك السعادة إفرازا تلقائيا متدفقا فى رحابة، لن تجد وصفته فى كتاب متداول يسمى "البهجة"، ولن تصلك خطواته فى رسالة بريدية تتوالى رناتها على هاتفك وتطلب منك تعميمها، هى بعض من فيوضات التدبر والحكمة حينما تؤتى خيرا كثيرا.
لن يكون تحقق ذلك بمخاصمة الحياة أو تعاليا على مسارات العيش بها، بل سيعبر عن مرحلة مهمة من المرور باختباراتها والزهد فى تكالباتها ثم حيانا مشاهدة وقائعها ومصيرها حين "تتساوى" مهما بدت غير ذلك وإذ تمضى إلى المستقر الأبدي لا يتخلف عنه أحد، كما أنها أشياء لا يمكن تعلمها مما يحكيه الآخرون ومهما كرروا وأعادوا واستحضروا خلاصات النصوص المتحلية بجمل فلسفية مبهرة.
لا شيء يصنع موجبات البهجة الذاتية تلك هذه سوى نهج التدبر فى مسار قطار الحياة وأدخنته التى ألقت ظلالها على المحطات التى غادرها، ومحايلة صروف الزمان عملا وعزما، تقبلا وأملا، ثم الفرح الفطرى عندما تلتقط منثورات السعادة التى يتيحها الله لك ومهما بدت فى أعين الغير صغيرة، وبعد أن تحليت بقدرة المرور سريعا على امتعاضات الكون – وهى بعض من سير تدافعه - مرحبا بابتساماتها التاليات والتى هى دوما يسر بعد عسر.
ثم أنه يبقى أسعدك الله، أن تفارق المفطورين على الشكوى من الناس، بحيث أنهم لو لم يجدوها على الأرض لاخترعوها، وستعرف من قطار التجارب وجود نوع من البشر لا تحمل جيناته سوى الشكوى، لا يجلس أبدا ليتأمل منحة الله له فى كثير من الأشياء التى صارت من فرط اعتياده عليها عادية أو فلنقل مضمونة، فما إن تجلس إليهم حتى يطلقون أشعة شكواهم فى اتجاهك قصفا متواصلا، يمتحنون صبرك أو طيبتك أو غفلتك، لن تجدهم يوما يحكون شيئا طيبا حدث لهم فى الحياة، معروفون بسمتهم وجمل إبتداء حديثهم، يزداد هؤلاء فى الحياة كأشواك يجدر بك أن تقتلعها.
وأنت تلتقط المتاح من البهجات ستوقن بأن عطاء الحياة يستقر بالإعتراف بما تجود به وقسمته على من تحب ومن حولك، ثم أنه لا تعتبر كل ذلك بعضا من كتاب الأغانى، فقد أضاع كثيرون جماليات الحياة بالقفز على أشياء ظنوها من فرط بساطتها متاحة دوما وممكنة ولا تستحق، فقد تشكل وجدانهم وعقلهم على أن يحملوا ويقبلوا من الأفكار ما ثقل صعبها وزاد مُرها وامتلأت فصاحتها ألما وانهمرت فداحة فلسفتها، عافانا الله وإياكم منهم .. ثم إن فصل الحياة جميعها زمن أو بعض زمن، هو "طيف خيال"، وكما يقولها باولو كويلو روائى نوبل فى كتابه الصغير المفعم تأملا "مكتوب": إستمتع بكل ما أنعم به الله عليك اليوم، فليس هناك بنك يمكن أن تستثمر به النعم لتستخدمها عندما تريد .. فغدا يهبك نعمة أخرى.

إعلان

إعلان

إعلان